يفتخر الاحتياطي الفيدرالي بتجنب حتى التلميح إلى أنه يتدخل في السياسة، لكن محاضر الاجتماعات المغلقة للاحتياطي الفيدرالي في فترة ولاية دونالد ترامب الأولى تعطي بعض الأدلة حول الآراء الحقيقية لكبار خبراء الاقتصاد حول أجندة المرشح الرئاسي الجمهوري الاقتصادية.
وعد ترامب مؤيديه بفرض تعريفات جمركية شاملة لا تقل عن 10 في المئة على جميع الواردات الأجنبية، وما يصل إلى 60 في المئة على بعض المنتجات الصينية، ورسوم تصل إلى 100 في المئة على البلدان التي لا تعتمد على الدولار كعملة احتياطية لها.
إذا تم سن هذه السياسات فقد يكون لها تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصادين الأميركي والعالمي.
وسعى المشرعون الأميركيون إلى الحصول على ردود فعل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، على هذه السياسات المقترحة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
يتمسك باول بموقفه بعدم التعليق على الأجندات السياسية، على الرغم من تأثير هذه الأجندات على سياسات الفيدرالي النقدية، من إدارة أسعار الفائدة والصرف.
وقال باول رداً على سؤال من السناتور الديمقراطي جاك ريد، في شهادة أمام لجنة البنوك بمجلس الشيوخ في يوليو تموز، عندما سُئل عن تأثير التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب «نحن لا نعلق على السياسات التجارية»، وقال باول بعد اجتماع السياسة النقدية في يوليو تموز «لا نريد أن نشارك في السياسة بأي شكل من الأشكال»، وأضاف في وقت سابق من 2024، «عندما يقر الكونغرس زيادة الإنفاق يتم تحفيز الاقتصاد، وهذا يدخل بالطبع في حساباتنا ونماذجنا، لكن ليس من دورنا على الإطلاق أن نكون حكاماً على السياسة المالية بأي شكل من الأشكال».
على عكس النقاشات العلنية في الكونغرس وأمام الكاميرات، يقوم مسؤولو الفيدرالي الأميركي -في إطار إعداد الحسابات والنماذج- بالتعليق على السياسات التجارية والمالية، وهذا ما تفصح عنه محاضر الاجتماعات في ولاية ترامب الأولى.
مخاوف تخرج إلى النور
يلتزم بنك الاحتياطي الفيدرالي بسرية محاضر الاجتماعات لسنوات لتجنب التدخل السياسي، لكن محاضر الاجتماعات السابقة المتاحة للجمهور، وأحدثها من اجتماع السياسة النقدية في ديسمبر 2018، تشير إلى أن بعض مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي لديهم مخاوف مشروعة بشأن سياسة ترامب التجارية وتأثيرها على الاقتصاد.
عندما اجتمعت لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر كانون الأول 2016 لأول مرة بعد انتخاب ترامب، قالت لوريتا ميستر، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند آنذاك “إن السياسات التي تقيد الهجرة والتجارة من شأنها أن تخلّف آثاراً سلبية على الاقتصاد الأميركي على المدى المتوسط والطويل، لكنني لم أدرج هذا في توقعاتي في هذه المرحلة.”
وقالت ميستر، التي تقاعدت من العمل في بنك الاحتياطي الفيدرالي قبل ثلاثة أشهر، لشبكة سي إن إن، إن مثل هذه المناقشات طبيعية بالنسبة لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الذين يتعين عليهم اتباع نهج استشرافي عند تحديد أسعار الفائدة، وقالت «صناع السياسات بحاجة إلى تقييم التوقعات والمخاطر المحيطة بالتوقعات»، مضيفة أن عوامل السياسة المالية تدخل في هذه المعادلة، «ولكن لا تتدخل الاعتبارات السياسية في الأمر ولا تتم مناقشتها أبداً في اجتماعات لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية».
في الاجتماع نفسه قال جيمس بولارد، الذي كان في ذلك الوقت رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، مازحاً «وفقاً لبعض تفسيرات سفر الرؤيا، عندما تحدث ثلاثة أحداث غير عادية معاً، فقد تكون علامة على أن نهاية العالم قريبة، وبالفعل قد فاز فريق شيكاغو كابز ببطولة العالم، وفاز دونالد ترامب بالرئاسة وفاز بوب ديلان بجائزة نوبل»، وقد قوبلت تعليقاته بالضحك من المشاركين الآخرين في الاجتماع، وفقاً لنص الاجتماع الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي.
سياسات سيئة التصميم
في اجتماعات لاحقة عندما بدأت إدارة ترامب في إعداد المسرح لحرب تجارية محتملة مع الصين، بدأ مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي يبدون قلقاً أكبر، وفي بعض الأحيان انتقدوا الأجندات التجارية.
قال ويليام دودلي، نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، في اجتماع السياسة النقدية الذي عقد نهاية يناير 2017 «إن الهدف المُعلن لإدارة ترامب، وهو التشدد في التعامل مع التجارة، قد لا يؤدي بالضرورة إلى صفقات تجارية أفضل للولايات المتحدة، بل قد يؤدي فقط إلى زيادة كبيرة في الحواجز التجارية والعواقب السيئة الناتجة عن ذلك، بما في ذلك ارتفاع التضخم».
وأضاف دودلي «لذا يبدو لي أننا قد نتجه إلى توسع اقتصادي على مدى العام أو العامين المقبلين مع احتمال كبير لهبوط عنيف في وقت لاحق»، ويعني الهبوط العنيف عجز بنك الاحتياطي الفيدرالي عن خفض التضخم دون التسبب في دخول الاقتصاد في حالة ركود.
وفي الاجتماع نفسه قالت لوريتا ميستر «إن التأثيرات الأطول أجلاً لبعض التغييرات فيما يتصل بسياسات التجارة والهجرة قد تكون سلبية للغاية، وهناك مخاطر أخرى أيضاً بما في ذلك المخاطر الجيوسياسية، وبعضها ينشأ عن مجموعة من السياسات سيئة التصميم التي تنتهجها الحكومة الأميركية».