وعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإصلاح أزمة ارتفاع التكاليف في الولايات المتحدة من خلال فرض تعريفات جمركية هائلة، وتنفيذ عمليات ترحيل غير مسبوقة للمهاجرين وحتى التأثير على قرارات الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بأسعار الفائدة.
لكن يبدو أن خطط المرشح الرئاسي الجمهوري لن تفشل فقط في حل التضخم، بل ستجعله أسوأ بكثير، كما أنها قد تتسبب في ضعف النمو الاقتصادي وانخفاض العمالة، بحسب ورقة بحثية أصدرها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي يوم الخميس، والتي قالت إنه في بعض الحالات، قد يستمر الضرر الاقتصادي الناجم عن هذه الخطط حتى عام 2040.
وتمثل هذه الدراسة التحليل الأكثر شمولاً حتى الآن للتأثير المشترك لمقترحات ترامب للتجارة والهجرة والاحتياطي الفيدرالي، وتأتي النتائج المفاجئة في الوقت الذي وجد فيه استطلاع رأي أجرته شبكة CNN هذا الأسبوع أن نحو 4 من كل 10 ناخبين محتملين (41 في المئة) يعتقدون أن الاقتصاد هو القضية الأكثر أهمية بالنسبة لهم، متقدماً بكثير على القضية الأقرب التالية وهي حماية الديمقراطية.
ورغم تحذيرات خبراء الاقتصاد بشأن الضرر الذي قد تحدثه بعض سياسات ترامب الاقتصادية، لا يزال الرئيس السابق يتمتع بميزة في هذه القضية الحرجة، إذ يقول الناخبون المحتملون إنهم يثقون في ترامب أكثر من نائبة الرئيس كامالا هاريس للتعامل مع الاقتصاد مع حصوله على 50 في المئة مقابل 39 في المئة لهاريس.
صدمة شبيهة بجائحة كورونا
في حدث أقيم في ميشيغان الأسبوع الماضي، أشاد ترامب بالتعريفات الجمركية باعتبارها «أعظم الأشياء التي اخترعت على الإطلاق»، وفي جورجيا -هذا الأسبوع- قال ترامب إن كلمة «تعريفة جمركية هي واحدة من أجمل الكلمات التي سمعتها على الإطلاق».
ووجدت الدراسة أن سياسات ترامب الثلاث بشأن الهجرة والتجارة والاحتياطي الفيدرالي من شأنها أن «تتسبب في انخفاض الإنتاج والتوظيف، فضلاً عن ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة».
لكن العنصر الأكثر ضرراً في هذه السياسات سيكون حملته الصارمة على الهجرة، إذ دعا ترامب إلى ترحيل ما بين 15 و20 مليون شخص غير موثقين في محاولة لمكافحة الجريمة وخفض التضخم ومساعدة العمال.
وقال الزميل الأول غير المقيم في معهد بيترسون واريك مكيبين -الذي شارك في إعداد الدراسة- لشبكة CNN في مقابلة هاتفية إن عمليات الترحيل الجماعي من شأنها أن تسبب «صدمة» شبيهة بجائحة كورونا فيما يخص إمدادات العمال، وأشار إلى أن ما يقدر بنحو 16 في المئة من العمال في الزراعة غير موثقين.
وأضاف مكيبين «هل يمكنك أن تتخيل إخراج 16 في المئة من القوة العاملة في الزراعة.. إن تكلفة الغذاء سترتفع، وإذا لم تسمح لهم بالعودة، فسوف تعاني من فقدان دائم للإمدادات».
وعلى الصعيد التجاري، استخدم ترامب التعريفات الجمركية كوسيلة لخلق «نهضة تصنيعية» في الولايات المتحدة، واقترح فرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10 في المئة و20 في المئة على جميع الواردات الأميركية، فضلاً عن تعريفات جمركية بنسبة 60 في المئة على السلع الصينية.
ومع ذلك، وجد بحث معهد بيترسون أن تعريفات ترامب والخطط الأخرى ستؤدي إلى نتائج عكسية، ما يضر بالتصنيع أكثر من أي قطاع آخر، وهذا يعني أن عمال المصانع أنفسهم الذين يقول ترامب إنه يحاول مساعدتهم سوف يتضررون أكثر من غيرهم.
وقال كبير الاقتصاديين في موديز أناليتيكس، مارك زاندي لشبكة CNN في رسالة بالبريد الإلكتروني «إذا ردت دول أخرى، كما قد يفعل الكثيرون على الأرجح، فإن الركود في العام التالي لزيادة التعريفات الجمركية سيكون تهديداً خطيراً».
تقييد استقلالية الفيدرالي
أشار ترامب إلى أنه سيحاول ممارسة سلطة مباشرة على سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، وهو ما قد يشكل انفصالاً كبيراً عن التاريخ الحديث.
ولاحظ باحثو معهد بيترسون أن القلق هو أن الرئيس سيضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة بشكل مصطنع لتعزيز الاقتصاد.
ووجدت الورقة البحثية أن تآكل استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي من شأنه أن يتسبب في ارتفاع التضخم، وتدفقات رأس المال إلى الخارج، وخسارة كبيرة في قيمة الدولار الأميركي وارتفاع البطالة، وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة الأميركية.
وقال ماكيبين إن «البلدان التي لديها بنوك مركزية مستقلة لديها تضخم أقل بكثير»، مشيراً إلى أن البنك المركزي الأرجنتيني عانى من التدخل السياسي، واليوم لديه أعلى معدل تضخم في العالم.
وطالما حذر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي رشحه ترامب في عام 2017، من أي جهد للتدخل في استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وقال باول، رداً على سؤال من شبكة CNN، «لقد وجد الناس بمرور الوقت أن عزل البنك المركزي عن السيطرة المباشرة من قبل السلطات السياسية يجنب صنع سياسة نقدية تفضل الأشخاص في السلطة على عكس الأشخاص الذين ليسوا في السلطة، نحن نقوم بعملنا لخدمة جميع الأميركيين.. نحن لا نخدم أي سياسي أو أي شخصية سياسية أو أي قضية أو أي شيء».
(مات إيغان، CNN)