في ظل الانتعاش المستمر لسوق العمل، تجاوز عدد الوظائف الجديدة التوقعات بشكل ملحوظ؛ ما أثار تساؤلات حول قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي، ففي الشهر الماضي اتخذ البنك خطوة جريئة بخفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، مستهدفاً الحفاظ على قوة سوق العمل.

ومع صدور البيانات الجديدة التي تشير إلى قوة أكبر من المتوقع في سوق العمل، بدأ بعض المحللين في انتقاد هذه الخطوة، معتبرين أن البنك كان ينبغي عليه رفع أسعار الفائدة بدلاً من خفضها، تعكس هذه الآراء حالة من عدم اليقين في الأوساط الاقتصادية، وتسلط الضوء على التحديات التي يواجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي في محاولته لموازنة الأهداف الاقتصادية في ظل ظروف متغيرة.

في الشهر الماضي، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية كبيرة في محاولة للحفاظ على قوة سوق العمل، بحسب ما أوضح رئيس البنك جيروم باول في مؤتمر صحفي بعد الإعلان عن القرار.

لكن عندما أظهرت البيانات الجديدة، يوم الجمعة، أن سوق العمل أكثر قوة مما كان يعتقد باول، اعتبر بعض المحللين ذلك فرصة للانخراط في ما وصفه فيليب كارلسون-زليزاك، كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة بوسطن الاستشارية، «الهواية المفضلة لدى الجميع» انتقاد بنك الاحتياطي الفيدرالي.

وفي مذكرة يوم الجمعة، كتبت سيما شاه، كبيرة الاستراتيجيين العالميين في برينسيبال أسيت مانجمنت: «هل كان بنك الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، ناهيك عن خفضها بمقدار 50 نقطة أساس؟»، وصرح جيمس نايتلي، كبير خبراء الاقتصاد الدولي في آي إن جي، قائلاً: «ينبغي لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة مع هذه الأنواع من الأرقام، وليس خفض أسعار الفائدة».

حتى قبل خفض أسعار الفائدة الذي أقرَّه البنك في سبتمبر، انتقد بعض المستثمرين البنك المركزي لعدم خفضه أسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية الذي عُقد في يوليو، وأشاروا إلى أن المسؤولين كانوا متأخرين عن المسار، ودافع باول عن القرار قائلاً، إن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يحاول اللحاق بالركب.

لا شك أن التشكيك في قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس بالأمر الجديد. مسؤولو البنوك المركزية أنفسهم يلاحظون حالة عدم اليقين المتأصلة في عملهم، خاصة عندما يصل الاقتصاد إلى نقاط تحول، لكن محاولة فهم هذه الحالة تشكل جزءاً من عملهم.

كما أنه لا توجد رؤية واحدة لصحة الاقتصاد واتجاهه، ولا يتفق خبراء الاقتصاد دائماً؛ لذا فمن الطبيعي أن يظل بنك الاحتياطي الفيدرالي عرضة لبعض الانتقادات، حتى مسؤولو البنك لا يتفقون دائماً مع تصرفات البنك المركزي، كما هو الحال مع ميشيل بومان، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي التي كانت المعارضة الوحيدة لقرار البنك بخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة في سبتمبر، حيث فضلت خفضها بربع نقطة، موضحة في بيانها أن «الإجراء السياسي الأوسع نطاقاً الذي اتخذته اللجنة يمكن تفسيره باعتباره إعلاناً سابقاً لأوانه عن انتصارنا في مهمتنا المتمثلة في استقرار الأسعار».

وبدون الرغبة في متابعة البيانات، حتى لو كانت في اتجاهات غير متوقعة، فلن يتمكن مسؤولو البنك من التكيف مع المفاجآت، مثل تقرير الوظائف الذي يفوق توقعات الجميع.

«هذا ليس علماً دقيقاً»

لا يتردد مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي في الاعتراف بأنهم لا يثقون دائماً في كيفية تطور الاقتصاد الأميركي، الواقع أن عبارة شائعة في بيانات أسعار الفائدة التي يصدرونها تقول «التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة»، والترجمة: نحن لسنا على يقين تام مما قد يحدث، ولكن هذا هو أفضل تخمين لدينا.

لكن هذا لا يعني التقليل من أهمية التوقعات الاقتصادية المعقدة التي يستحضرها المحللون والمئات من الباحثين في بنك الاحتياطي الفيدرالي استناداً إلى بيانات حكومية قوية، وفي بعض الحالات، أرقام في الوقت الحقيقي من شركات خاصة.

لكن الاقتصاد ليس علماً دقيقاً، بل هو عبارة عن شبكة ضخمة ومعقدة من القرارات التي يتخذها الناس في ما يتصل بأموالهم، كما يقول كارلسون-سزليزاك: «إن هذا ليس علماً دقيقاً، حتى وإن كان بعض الناس يتظاهرون أحياناً بأنه كذلك»، «إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يفعل كل هذا من خلال النظر في مرآة الرؤية الخلفية؛ لأن كل البيانات تصف الماضي، وهناك من يصرخون في وجهك من وول ستريت، وهناك من يصرخون في وجهك من واشنطن، وهناك من يصرخون في وجهك من الصحافة بأنك غبي».

وأشار إلى أن هناك «ميلاً في خطابنا العام» إلى «تفكيك الأشياء وتحويلها إلى شيء فظيع».

ومع ذلك، ومع اقتراب التضخم من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% واستمرار سوق العمل في تحقيق مكاسب قوية، يبدو أن المتفائلين يعيشون لحظة جيدة، كتبت جينا بولفين، رئيسة مجموعة بولفين لإدارة الثروات، في مذكرة يوم الجمعة «أنا أكثر تفاؤلاً اليوم مقارنة بالأمس..».

(بريان مينا CNN)