من المرجح أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة للمرة الثالثة هذا العام، والثانية على التوالي يوم الخميس، بحجة أن التضخم في منطقة اليورو أصبح الآن تحت السيطرة بشكل متزايد وأن الاقتصاد راكد.
إن أول خفض متتالٍ لأسعار الفائدة منذ 13 عاماً من شأنه أن يمثل تحولاً في تركيز البنك المركزي لمنطقة اليورو من خفض التضخم إلى حماية النمو الاقتصادي، الذي تأخر كثيراً عن الولايات المتحدة لمدة عامين متتاليين.
ومن المرجح أن تكون أحدث البيانات الاقتصادية قد أمالت الآراء داخل البنك المركزي الأوروبي لصالح خفض أسعار الفائدة، إذ جاءت استطلاعات النشاط التجاري، بالإضافة إلى قراءة التضخم لشهر سبتمبر أيلول، أقل قليلاً من المتوقع.
كما أشار عدد من المتحدثين باسم البنك المركزي الأوروبي، بمن في ذلك الرئيسة كريستين لاغارد، إلى أنه من المرجح أن يكون هناك خفض جديد في تكاليف الاقتراض هذا الشهر، ما دفع المستثمرين إلى تسعير هذه الخطوة بالكامل.
قال محمد حشاد، كبير استراتيجي الأسواق في نور كابيتال إن «أغلب التوقعات في الفترة الأخيرة تشير إلى أن البنك المركزي في عجلة من أمره من أجل الوصول بمعدل الفائدة إلى 3 في المئة من خلال خفض المعدلات مرتين على التوالي في أكتوبر الجاري وديسمبر المقبل في أقرب وقت ممكن، وهو ما يتنافى مع الاتجاه الهابط لمعدل التضخم وتصريحات أعضاء مجلس محافظي المركزي التي تميل إلى خفض الفائدة».
وأضاف حشاد «على ذلك، لا يمكن أن نستبعد أن يفاجئ البنك المركزي الأوروبي الأسواق بالإبقاء على معدل الفائدة دون تغيير عند المستويات الحالية نفسها، وهو ما قد يستند فيه إلى أن الأوضاع الاقتصادية لا تستدعي التعجل في خفضها وسط استقرار الأسعار وتحسن أوضاع سوق العمل في منطقة اليورو».
ويرى حشاد أن الارتفاع المتوقع في معدل التضخم هو العامل الذي قد يثني البنك المركزي عن تثبيت الفائدة، خاصة أن السلطات النقدية تحرص بشدة على ألّا تتبدد جهودها التي أدت إلى الهبوط بالمعدلات إلى مستويات أقل من هدف البنك المركزي.
وقال الخبير الاقتصادي في يو بي إس راينهارد كلوز «نظراً لخسارة زخم النمو وتباطؤ التضخم فإننا نتوقع الآن أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل من الاجتماعات الأربعة المقبلة».
إن خفض ربع نقطة يوم الخميس من شأنه أن يخفض سعر الفائدة الذي يدفعه البنك المركزي الأوروبي على ودائع البنوك إلى 3.25 في المئة، وتقدر أسواق المال بشكل كامل تقريباً ثلاث تخفيضات أخرى حتى مارس آذار المقبل.
من غير المرجح أن تلمح لاغارد وزملاؤها بوضوح إلى التحركات المستقبلية يوم الخميس، مكررين شعارهم بأن القرارات سوف تتخذ «اجتماعاً تلو الآخر» على أساس البيانات الواردة.
لكن معظم مراقبي البنك المركزي الأوروبي يعتقدون أن القرار بشأن الخفض قد تم تحديده في كل اجتماع حتى الربيع.
وقال أنطونيو فيلارويا، من سانتاندير سي آي بي «نتوقع أن يخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع 17 أكتوبر تشرين الأول وأن يستمر في تقديم تخفيضات بمقدار 25 نقطة أساس في كل اجتماع حتى مارس آذار».
وأضاف فيلارويا «قد يظل هذا المستوى أعلى من الحياد بحلول ذلك الوقت، وبالتالي نتوقع الإعلان عن خفض نهائي بمقدار 25 نقطة أساس في الربع الثاني، على الأرجح في يونيو».
سعر الفائدة المحايد هو مستوى نظري حيث لا تعمل السياسة النقدية على تهدئة الاقتصاد ولا تحفزه، ويرى المستثمرون أنه يتراوح بين 2 في المئة و2.25 في المئة.
التضخم والنمو
أخيراً، يستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يزعم أنه نجح في ترويض أسوأ موجة تضخم منذ أكثر من جيل؛ فقد نمت الأسعار بنسبة 1.8 في المئة فقط في الشهر الماضي، وهو ما يقل عن هدف البنك البالغ 2 في المئة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.
وفي حين قد يتجاوز التضخم 2 في المئة بحلول نهاية هذا العام، فمن المتوقع أن يظل عند هذا المستوى أو حتى أقل قليلاً في «الأجل المتوسط»، وهو الأفق الزمني الذي يراقبه صُنَّاع السياسات.
ومع ذلك، كان على الاقتصاد أن يدفع ثمناً باهظاً لذلك.
فقد أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى استنزاف الاستثمار والنمو الاقتصادي، الذي عانى لمدة عامين تقريباً.. وتشير أحدث البيانات، بما في ذلك البيانات المتعلقة بالناتج الصناعي والإقراض المصرفي، إلى المزيد من الشيء ذاته في الأشهر المقبلة.
كما بدأت سوق العمل المرنة بشكل استثنائي بإظهار بعض الشقوق، مع انخفاض معدل الشواغر -أو نسبة الوظائف الشاغرة كنسبة من الإجمالي – من مستويات قياسية مرتفعة.
وقد أدى هذا إلى تأجيج الدعوات داخل البنك المركزي الأوروبي لتخفيف السياسة قبل فوات الأوان.
وقال محافظ البنك المركزي البرتغالي ماريو سينتينو مؤخراً «الآن نواجه خطراً جديداً؛ انخفاض معدل التضخم المستهدف، وهو ما قد يخنق النمو الاقتصادي».
وأضاف «انخفاض الوظائف وانخفاض الاستثمار من شأنهما أن يزيدا من نسبة التضحية التي تحملتها بالفعل».
ويرجع بعض هذا الضعف إلى مشكلات هيكلية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة وانخفاض القدرة التنافسية التي تعوق القوة الصناعية الأوروبية، ألمانيا.
لا يمكن حل هذه القضايا من خلال خفض أسعار الفائدة وحدها، على الرغم من أنها قد تساعد على الهامش من خلال جعل رأس المال أرخص.
وقالت إيزابيل شنابل، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي «لا يمكننا تجاهل الرياح المعاكسة للنمو، وفي الوقت ذاته لا تستطيع السياسة النقدية حل القضايا الهيكلية».