أظهرت بيانات رسمية يوم الأربعاء أن ألمانيا نجت بصعوبة من الركود في الربع الثالث، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 في المئة في الفترة من يوليو إلى سبتمبر مدفوعاً بزيادة في الإنفاق الحكومي واستهلاك الأسر، بعد انكماش بنسبة 0.3 في المئة في الأشهر الثلاثة السابقة، وفقاً لمكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني.

كان اقتصاد ألمانيا قد انكمش العام الماضي لأول مرة منذ بداية جائحة كوفيد- 19، والتوقعات ليست أكثر إشراقاً مع توقع صندوق النقد الدولي نمواً اقتصادياً صفرياً هذا العام، ما يمثل أضعف أداء بين الاقتصادات الكبرى.

من ناحيةٍ أخرى، أدى الانخفاض الحاد في الأرباح في فولكس فاغن إلى تكثيف الأخبار السيئة بشأن النمو الاقتصادي.

تتجلى المشكلات التي يواجهها الاقتصاد الألماني في أزمة أكبر شركة مُصنعة في البلاد، والتي قد تغلق مصانعها في بلدها الأصلي لأول مرة في تاريخها الممتد لـ87 عاماً وتستغني عن آلاف الوظائف.

قالت شركة فولكس فاغن، أمس الأربعاء، إن أرباح التشغيل في الأشهر التسعة الأولى من العام حتى نهاية سبتمبر انخفضت بنسبة 21 في المئة عن العام السابق إلى 12.9 مليار يورو (14 مليار دولار)، متضررة من الأداء الضعيف لعلامتها التجارية الرائدة وتكاليف إعادة الهيكلة.

وانخفضت مبيعات المركبات بنسبة 4 في المئة بسبب ضعف الطلب بشكل خاص في الصين، حيث تفقد الشركة حصتها في السوق لصالح العلامات التجارية المحلية للسيارات الكهربائية.

وقال المدير المالي، أرنو أنتليتز، في مكالمة مع المحللين والمراسلين، إن النتائج «تظهر الحاجة الملحة إلى اتخاذ قرارات مؤلمة في بيئة متقلبة تتميز بالمنافسة الشديدة».

وتابع أنتليتز «لم ننسَ كيفية بناء سيارات رائعة، لكن التكاليف بعيدة كل البعد عن أن تكون تنافسية».

وأضاف «لا يمكن أن تستمر الأمور كما هي الآن»، مشيراً إلى أن الشركة ستستأنف المحادثات مع النقابات العمالية وممثلي الموظفين لمناقشة «إغلاق المصانع المحتمل في ألمانيا».

وقالت فولكس فاغن في وقت لاحق في بيان إن أجور الموظفين ستحتاج إلى خفض بنسبة 10 في المئة لحماية الوظائف وحماية مستقبل الشركة، وستُعقد الجولة التالية من المفاوضات في 21 نوفمبر تشرين الثاني، مع إمكانية بدء الإضرابات في الأول من ديسمبر كانون الأول إذا لم يتوصل إلى اتفاق.

فولكس فاغن مرآة ألمانيا

يشير التدهور في آفاق فولكس فاغن إلى تدهور الظروف في القطاع الخاص في ألمانيا، ووفقاً لمسح نُشر الأسبوع الماضي من قبل ستاندرد آند بورز غلوبال وبنك هامبورغ التجاري سجلت شركات التصنيع والخدمات هذا الشهر أكبر انخفاض في التوظيف منذ ما يقرب من أربع سنوات ونصف السنة.

وأصبحت ثقة الشركات والمستهلكين في أدنى مستوياتها.

قال رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين، مارسيل فراتشير «إن أكبر مصدر للقلق حالياً هو التشاؤم الكبير في ألمانيا»، وقال لشبكة CNN «هذا الاكتئاب، هذا التشاؤم المذهل، ربما يكون أقوى عائق في الأمد القريب».

تجسد فولكس فاغن السلبية التي تجتاح ألمانيا، وسوف تمتد مشكلات الشركة إلى صناعة السيارات بأكملها، وهي القطاع الأكبر في البلاد، والذي يمثل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف ما يقرب من 800 ألف شخص، نحو 37 في المئة منهم يعملون لدى فولكس فاغن، وكثير منهم في وظائف ذات رواتب جيدة.

وقال متحدث باسم رابطة السيارات الألمانية في بيان عقب قمة السيارات الشهر الماضي «نحن لا نشهد أزمة في صناعة السيارات، بل نشهد أزمة في ألمانيا كموقع تجاري».

ومثل فولكس فاغن، تواجه ألمانيا تكاليف عمالة مرتفعة وإنتاجية ضعيفة ومنافسة من الصين، ولم يعد بإمكانها الاعتماد على الطلب الشديد على صادراتها في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي ينتج محلياً بشكل متزايد العديد من السلع التي اعتاد استيرادها من أوروبا.

ووفقاً لدراسة حديثة تمت بتكليف من اتحاد الصناعات الألمانية، فإن خُمس الناتج الصناعي الألماني معرض للخطر بين الآن وعام 2030، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وتقلص أسواق السلع الألمانية.

ويشير التقرير، الذي شارك في إعداده المعهد الاقتصادي الألماني ومجموعة بوسطن الاستشارية، إلى أن «الريادة التي بنتها البلاد على مدى عقود من الزمان في مجالات مثل تكنولوجيا الاحتراق تفقد أهميتها، وأن نموذج التصدير الألماني يتعرض لضغوط متزايدة بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، والحمائية العالمية، ونقاط الضعف المكانية».

ويشير التقرير إلى عيوب التكلفة التقليدية في ألمانيا، مثل الضرائب المرتفعة وتكاليف العمالة والطاقة المرتفعة، ويشير أيضاً إلى التهديد الذي يشكله السكان المسنون على العرض القوي تقليدياً من العمال المهرة.

وخلصت الدراسة إلى أن الاقتصاد الألماني يحتاج إلى «أكبر جهد تحولي منذ فترة ما بعد الحرب»، الأمر الذي يتطلب استثمارات إضافية في كل شيء من البنية الأساسية والابتكار إلى التعليم والتقنيات الخضراء بنحو 1.4 تريليون يورو (1.5 تريليون دولار) بحلول عام 2030.

إصلاح بعيد المنال

يبدو الإصلاح الاقتصادي غير مرجح نظراً للقيود الصارمة المفروضة على الاقتراض الحكومي، أو ما يُسمى «فرامل الديون»، المنصوص عليها في دستور ألمانيا.

وأعاق الائتلاف الحاكم المنقسم عملية صنع السياسات لعدة أشهر وترك الحكومة تفتقر إلى رؤية واضحة للبلاد.

وبينما قد يساعد انخفاض التضخم في تعزيز الاستهلاك العام المقبل، فإن التحسن الاقتصادي الملحوظ لن يأتي قبل عام 2026 عندما تشكل حكومة جديدة بعد الانتخابات العامة المتوقعة في سبتمبر أيلول المقبل.

وقال رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك آي إن خي الهولندي، كارستن برزيسكي، «الاحتمال الأقرب هو أن لدينا عاماً آخر من الركود».