قد يسهم التشرذم السياسي في ألمانيا في الحد من إصلاحات جوهرية اقتصادية في المستقبل، إذ سيكون من الصعب إصلاح القيود الصارمة المفروضة على الاقتراض الحكومي أو ما يعرف بفرامل الديون.

وقال محللون إن الاقتصاد الألماني لا ينتظر حلاً سحرياً بعد الانتخابات العامة المقررة في فبراير شباط المقبل، ولكنه سيكون في انتظار خطة سريعة تعيد التوازن للصادرات الألمانية وتعزز الاستثمارات والإنتاجية.

وأعلنت ألمانيا أمس، إجراء انتخابات عامة مبكرة في 23 فبراير شباط المقبل، وذلك بعد انهيار ائتلاف يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس، في أعقاب إقالة وزير المالية الألماني الأسبوع الماضي، وهو ما دفع الحزب الديمقراطي الحر للانسحاب من الائتلاف الثلاثي الذي كان يضم أيضاً الحزب الاشتراكي الديمقراطي والتحالف المسيحي المحافظ المعارض.

وعانت ألمانيا صراعات داخلية مطولة حول السياسات الاقتصادية، وخاصة قضايا الميزانية، والتخفيضات الضريبية، والإنفاق المالي.

«تأتي الأزمة السياسية والتشرذم الحالي في أسوأ الأوقات بالنسبة لاقتصاد ألمانيا مع انخفاض صادرات البلاد وتحديداً إلى الصين وتأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي»، حسب ما يقول دانيال كرال كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس لـ«CNN الاقتصادية».

أسباب الأزمة السياسية الاقتصادية في ألمانيا

يعاني الاقتصاد الألماني ركوداً مع تراجع صادرات البلاد وتحديداً إلى الصين، ما تسبب في إفلاس مئات الشركات خلال الأشهر الماضية مع ارتفاع حاد في وتيرة الإفلاس مؤخراً.

وقبل أيام أعلن معهد إيفو الألماني للبحوث الاقتصادية أن الاقتصاد الألماني يعاني نقصاً في الطلبيات بصورة غير مسبوقة منذ الأزمة المالية العالمية.

ونشبت خلافات سياسية بين الحكومة الائتلافية في ألمانيا حول سياسات مالية بعد أن حاول المستشار الألماني زيادة وتيرة الاقتراض وتخفيف حدة آلية كبح الديون، إلّا أن وزير المالية السابق رفض المساس بما يعرف بفرامل الديون.

وفي 2009 أقرت ألمانيا قانوناً دستورياً في محاولة للحد من الاقتراض الحكومي في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

ويقضي القانون بالحد من العجز الهيكلي للحكومة إلى 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وهو ما يجعل ديون ألمانيا أقل من أي دولة ضمن دول مجموعة السبع.

ويقول كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس إن إذ حصلت أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف على أقلية في الانتخابات، فهذا يعني أن إصلاح قانون الديون في ألمانيا، والتي طال انتظارها بشكل ميؤوس منه، بالإضافة إلى تشكيل حكومة ائتلافية سيكون أكثر صعوبة.

ماذا بعد الانتخابات الألمانية؟

وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني فإن انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا يُسلّط الضوء على العقبات السياسية التي تحول دون إعادة النمو الاقتصادي إلى مساره الصحيح، إذ قد تنشأ حكومة أكثر استقراراً، لكن التفتت السياسي المتزايد قد يحد من إجراء إصلاحات جوهرية.

وتعرض الاقتصاد الألماني للركود منذ عام 2022 بسبب المشكلات الهيكلية في الصناعات الرئيسية، وفقدان القدرة التنافسية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وشيخوخة السكان.

وفي أكتوبر تشرين الأول الماضي خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لأداء الاقتصاد الألماني في العام المقبل ليكون 0.8 في المئة أي أقل بمقدار 0.5 في المئة عما كان يتوقعه في يوليو تموز الماضي.

ويتعرض الاقتصاد الألماني الموجه نحو التصدير بشكل خاص لمخاطر خاصة من السياسات التجارية الأميركية، بحسب فيتش.

وقبل يوم قال معهد البحوث الاقتصادية الألماني «زد إي دبليو» إن ثقة المستثمرين الألمان تراجعت بأكثر من المتوقع في نوفمبر تشرين الثاني، مشيراً إلى أن التوقعات الاقتصادية تأثرت بحالة عدم اليقين التي أثارها فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وانهيار الحكومة الألمانية.

وأضاف المعهد أن مؤشره للمعنويات الاقتصادية انخفض إلى 7.4 نقطة من 13.1 نقطة في أكتوبر تشرين الأول.

ويرى دانيال كرال أنه لا يوجد حل سحري حول كيفية إصلاح المشكلات الاقتصادية في ألمانيا حالياً، وسيتعين على الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات أن تضع خطة للإصلاح تعيد التوازن للنمو ليكون مدفوعاً بالطلب المحلي بدلاً من الطلب الأجنبي، بجانب تعزيز الاستثمارات والاستهلاك والإنتاجية.

ويضيف أن قبل 25 عاماً وصفت ألمانيا بأنها رجل أوروبا المريض، لكن مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية دفعت البلاد لتكون قوة تصديرية عالمية، لذا فهي في حاجة إلى مجموعة جديدة من الإصلاحات لإعادة توازنها المالي يكون الطلب المحلي هو الذي يقود النمو الاقتصادي.