واجهت أسواق النفط العالمية اضطرابات واسعة بعد تشديد الولايات المتحدة عقوباتها على روسيا، ما أدى إلى تعطيل تدفق النفط الروسي منخفض التكلفة إلى الصين والهند، وزيادة الطلب على إمدادات الشرق الأوسط وإفريقيا، وارتفاع تكاليف الشحن بشكل حاد. وعند تسوية تعاملات يوم الجمعة، انخفضت أسعار العقود الآجلة لخام «برنت» تسليم أبريل نيسان بنسبة 0.35 في المئة إلى 74.74 دولار للبرميل، لكنها حققت مكاسب أسبوعية بنسبة 0.1 في المئة.
كما تراجعت أسعار العقود الآجلة للخام الأميركي تسليم مارس آذار بواقع 0.75 في المئة عند 70.74 دولار للبرميل، وسجلت خسائر أسبوعية بنحو 0.35 في المئة.
العقوبات الأميركية والإمدادات
فرضت واشنطن عقوبات جديدة استهدفت ناقلات النفط الروسية في 10 يناير كانون الثاني 2025، بهدف تقليص إيرادات موسكو النفطية بشكل أكثر فاعلية.
وتسببت هذه العقوبات في بقاء ناقلات محملة بملايين البراميل عالقة في الطرق البحرية، بينما تباطأت حركة بيع الخام الروسي لشهر مارس، ما أدى إلى اضطراب واسع النطاق في الأسواق.
تحولات في الطلب والأسعار
ومع تراجع الإمدادات الروسية، تحول المشترون إلى خامات أخرى، ما تسبب في ارتفاع أسعار خامات الشرق الأوسط وإفريقيا، وأصبح خام دبي عالي الكبريت أكثر تكلفة من خام برنت منخفض الكبريت، وهو تحول نادر يتيح فرصة للمنتجين من البرازيل وكازاخستان للاستحواذ على حصة أكبر في السوقين الصينية والهندية.
وارتفعت العلاوة السعرية للخام البرازيلي إلى نحو 5 دولارات للبرميل فوق سعر برنت في يناير 2025، مقارنة بدولارين في الشهر السابق، كما سجلت الصين أول استيراد لمزيج CPC الكازاخستاني منذ يونيو 2024، ما يعكس تنوع مصادر الإمداد.
ضغط على مصافي التكرير في آسيا
مع ازدياد الطلب على نفط الشرق الأوسط، قفزت علاوة خامات عمان ودبي ومربان بأكثر من الضعف خلال يناير الماضي، رغم انخفاض الطلب الموسمي من المصافي.
ورفعت أرامكو السعودية أسعار البيع إلى آسيا لأعلى مستوى منذ ديسمبر 2023، ما زاد الأعباء المالية على المصافي الهندية والصينية.
أما في الهند، التي عززت اعتمادها على النفط الروسي خلال العام الماضي، فتسعى المصافي إلى استيراد النفط عبر وسطاء وشركات غير خاضعة للعقوبات الأميركية.
ومع ذلك، انخفضت الخصومات على خام الأورال الروسي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحنات، وتقليص الفجوة السعرية بين النفط الروسي ونفط الشرق الأوسط من 6-7 دولارات إلى 3 دولارات للبرميل.
ارتفاع تكاليف الشحن
بسبب توقف العديد من السفن الخاضعة للعقوبات، لجأ التجار إلى ناقلات أخرى بتكاليف أعلى بكثير، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الشحنة الواحدة بملايين الدولارات.
كما ارتفعت المخزونات العائمة من النفط الروسي إلى 17 مليون برميل منذ 10 يناير، ومن المتوقع أن تصل إلى 50 مليون برميل بحلول منتصف 2025، وفقاً لمذكرة من غولدمان ساكس.
ويأتي هذا التراجع في الإمدادات الروسية بعد انخفاض صادرات النفط الإيراني إلى الصين بسبب تشديد
العقوبات الأميركية، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تعهد مؤخراً بتقليص صادرات إيران النفطية إلى الصفر، ما دفع المخزونات العائمة للنفط الإيراني إلى أعلى مستوياتها خلال 14 شهراً.
ويقدر خبراء غولدمان ساكس أن فرض عقوبات أكثر صرامة قد يخفض إنتاج إيران بمقدار مليون برميل يومياً، ما قد يدفع أسعار برنت إلى 80 دولاراً للبرميل بحلول مايو أيار المقبل.
إشارات مبكرة وتحركات استباقية
قبل أسابيع من الإعلان الرسمي عن العقوبات، حذرت السلطات الهندية مصافيها من تأثير الإجراءات المرتقبة، ما دفعها إلى تنفيذ عمليات شراء استباقية.
كما فرضت مجموعة موانئ شاندونغ الصينية قيوداً على استقبال السفن الخاضعة للعقوبات قبل الإعلان بثلاثة أيام، في خطوة قد تكون استجابة لتحذيرات غير معلنة.
ووسط هذه التغيرات السريعة، لا تزال سوق النفط يواجه حالة من عدم اليقين، إذ تسعى كل من الصين والهند لإيجاد بدائل للنفط الروسي والإيراني، في حين تواصل الولايات المتحدة تصعيد ضغوطها الاقتصادية.
ومع ارتفاع تكاليف الشحن والنفط الخام، قد يكون أمام المصافي الآسيوية خيارات محدودة، وهو ما قد يعيد تشكيل خريطة إمدادات الطاقة العالمية خلال الأشهر المقبلة.
(رويترز).