وسط المشهد الديناميكي لقطاعات الطاقة والمواد، أصبح الدمج بين الذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل التالي عاملاً محورياً في رحلة تحول المجالات التقنية والتجارية، ويوماً بعد يوم يزداد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءات، ودفع الابتكار، ومواجهة التحديات المعقدة التي تواجه هذه القطاعات.
ويؤكد التقرير الأحدث الصادر عن شركة ماكينزي للاستشارات الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في العمليات عبر جميع مراحل سلسلة القيمة الخاصة بالطاقة والمواد.
فمن الاستكشاف والإنتاج إلى التكرير والتوزيع، تعمل الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تعزيز عمليات صنع القرار، وتحسين أداء الأصول، وتخفيف المخاطر.
ويمكن للشركات الاستفادة من الرؤى القائمة على البيانات لتحسين عملية تخصيص الموارد، وتقليل أوقات التوقف عن العمل، وتحسين معايير السلامة، وذلك عبر استخدام التحليلات المتقدمة وخوارزميات التعلم الآلي،
استخدام الذكاء الاصطناعي في الطاقة
أحد المجالات الرئيسية التي يحقق فيها الذكاء الاصطناعي نجاحات كبيرة هو الصيانة التنبؤية.
ومن خلال الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات في الوقت الفعلي من أجهزة الاستشعار والمعدات، يمكن للشركات تحديد الأعطال المحتملة بشكل استباقي وجدولة أنشطة الصيانة قبل حدوث اضطرابات مكلفة.
ولا يؤدي هذا النهج التنبؤي إلى تقليل وقت التوقف عن العمل فحسب، بل يعمل كذلك على إطالة عمر الأصول الحيوية، ما يؤدي إلى توفير كبير في التكاليف والكفاءة التشغيلية.
علاوة على ذلك، يقود الذكاء الاصطناعي الابتكار في مجال الطاقة والمواد من خلال تطوير الأنظمة المستقلة والروبوتات.
ففي قطاع التعدين، على سبيل المثال، تعمل شاحنات النقل وأجهزة الحفر المستقلة التي تعمل بخوارزميات الذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في عمليات التعدين التقليدية، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز معايير السلامة.
وبالمثل في قطاع الطاقة، يتم نشر الطائرات بدون طيار والروبوتات التي تدعم الذكاء الاصطناعي للقيام بمهام التفتيش والصيانة في البيئات الصعبة، ما يقلل من تعرض العمال للمخاطر ويضمن الامتثال التنظيمي بشكل أفضل.
وتتفق وكالة الطاقة الدولية مع هذه الرؤية، إذ تؤكد العلاقة التكافلية بين الذكاء الاصطناعي والطاقة، وسلطت الوكالة الضوء على كيفية عمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل مشهد الطاقة من خلال تحسين إنتاج الطاقة وتوزيعها واستهلاكها.
ومن خلال تسخير التحليلات التنبؤية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، يمكن لشركات الطاقة التنبؤ بالطلب بشكل أكثر دقة، وتحسين جداول توليد الطاقة، ودمج مصادر الطاقة المتجددة بشكل أكثر فاعلية في الشبكة.
علاوة على ذلك، يعمل الذكاء الاصطناعي على تسهيل ظهور أنظمة الطاقة الذكية، ما يتيح مراقبة شبكات الطاقة وتحسينها في الوقت الفعلي.
ومن خلال نشر أنظمة إدارة الطاقة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستجابة للطلب، يمكن للمرافق الموازنة بين العرض والطلب، وتقليل هدر الطاقة، وتعزيز استقرار الشبكة.
لا يؤدي هذا النهج الذكي لإدارة الطاقة إلى تحسين الكفاءة فحسب، بل يدعم كذلك الانتقال إلى نظام بيئي أكثر استدامة ومرونة في مجال الطاقة.
لكن رغم أن الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة والمواد لا يمكن إنكارها، فإن شركة ماكينزي ووكالة الطاقة الدولية تحذران من التحديات التي تنطوي عليها تلك التقنيات، إذ تعد خصوصية البيانات والأمن السيبراني والاعتبارات الأخلاقية من الاهتمامات القصوى التي تتطلب اهتماماً دقيقاً عندما تتبنى الشركات تقنيات الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة لذلك، يعتمد نجاح مبادرات الذكاء الاصطناعي على المواهب الماهرة، والبنية التحتية القوية، والاستعداد التنظيمي، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى استثمارات استراتيجية وشراكات تعاونية.
أمثلة ملموسة
في حين أن إمكانات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الطاقة لا يمكن حصرها، فهناك العديد من الأمثلة الملموسة التي يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد، على سبيل المثال تعمل منصة بريديكس التابعة لشركة جنرال إلكتريك على تسخير الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين أداء محطات الطاقة والمرافق الصناعية، وبالمثل قامت شركة DeepMind من غوغل بتطوير خوارزميات تعمل على تعزيز كفاءة أنظمة تبريد مراكز البيانات، ما يقلل من استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 40 في المئة.
علاوة على ذلك، تعد الشركات الناشئة مثل «AutoGrid» رائدة في حلول إدارة الطاقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يمكّن المرافق من تحسين عمليات الشبكة ودمج مصادر الطاقة المتجددة بسلاسة.
ويؤكد تقرير ماكينزي أن الدمج بين الذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل القادم يعمل على إعادة تشكيل صناعات الطاقة والمواد، وفتح فرص جديدة للنمو والكفاءة والاستدامة.
وبينما تتنقل الشركات في هذا المشهد المتطور، سيكون تبني الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على قدرتها التنافسية وتشكيل مستقبل الطاقة والمواد.