البترودولار اتفاقية بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية لربط بيع النفط بالدولار، أم نظام متعارف عليه لتسعير النفط بالدولار؟ المؤكد بالفعل أن تسعير النفط عالمياً يتم احتسابه بالدولار الأميركي، فقد أجمع عدد من المحللين الذين تحدثوا إلى «CNN الاقتصادية» أن تسعير النفط عالمياً بالدولار الأميركي، وفي حال قرار السعودية بيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار، قد يؤدي ذلك إلى احتمال عدم استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
ووفقاً لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، فإن النفط هو سلعة متداولة عالمياً ونظام التسعير الحالي مقوماً بالدولار في سوق النفط العالمي، إذ إن نظام النفط العالمي بأكمله يتم بناء التداول والتحوط حول الدولار.
و السعودية هي أبرز الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ولها دور كبير في رسم تحركات أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ماذا لو باعت السعودية النفط بعملة غير الدولار؟
ويقول راجات كابور، مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، لـ«CNN الاقتصادية»، إنه خلال الفترة الماضية ظهرت تكهنات بأن تبيع السعودية نفطها بعملات أخرى غير الدولار، «ومع ذلك، لم يكن هناك تأكيد رسمي من المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة الأميركية، إلّا أنه في الواقع يبدو أن كلا البلدين على وشك التوقيع على اتفاق أمني ضمن حزمة أوسع لا تشمل الارتباطات العسكرية والدبلوماسية فحسب، بل تشمل أيضاً اتفاقاً نووياً مدنياً بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية».
وأضاف كابور، أن شركة أرامكو السعودية وقّعت صفقة الأسبوع الماضي لشراء 1.2 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال من مشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال التابع لشركة NextDecade في ريو غراندي في تكساس.
ويرى مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، أنه من الصعب فصل تسعير بيع النفط بالدولار، حيث ستستغرق عملية الفصل سنوات عديدة فقط لإحداث أي تأثير كبير في السوق، «حيث إن الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، والتي توفّر السيولة والاستقرار للتجارة الدولية وخاصة لسوق النفط، ويتم تسعير سلسلة القيمة الكاملة للنفط بالدولار الأميركي بدءاً من استئجار منصات الحفر وخدمات حقول النفط الأساسية للاستكشاف، وصولاً إلى خطوط الأنابيب ومعدات الآبار وطرق الإخلاء في أثناء الإنتاج، وانتهاءً بهوامش التكرير وتجارة التجزئة».
وخلال الأسبوع الحالي، أظهرت مبادرة البيانات المشتركة (جودي)، أن صادرات السعودية من النفط الخام تراجعت إلى ستة ملايين برميل يومياً في أبريل نيسان من 6.413 مليون برميل يومياً في مارس آذار.
يقول كابور إن ما يقرب من 105 ملايين برميل من النفط الخام يتم إنتاجها يومياً، وأكثر من 80 في المئة من مبيعات النفط العالمية تتم بالدولار، في حين يتم تسعير بعض المعاملات بعملات أخرى (مثل اليورو أو اليوان أو الروبية الهندية)، ولكنها تظل صغيرة نسبياً مقارنة بإجمالي حجم التجارة، «ونظراً لأن هذه الاتفاقيات غالباً ما تكون جزءاً من شراكات ثنائية أوسع وعلاقات تجارية بين الدول، فمن المرجح أن يظل الجزء الأكبر من تجارة النفط العالمية خاضعاً للقياس بالدولار الأميركي على المدى القريب إلى المتوسط».
ويضيف كابور، «مع تحول القوة الاقتصادية العالمية واستمرار دول مثل الصين والهند في النمو، قد تكون هناك زيادة تدريجية في استخدام عملاتها في تجارة النفط، فمن المتوقع أن تكون هذه العملية بطيئة بسبب الوضع الراسخ للدولار الأميركي، كما أنه من المتوقع أن تستمر هيمنة الدولار الأميركي على تجارة النفط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى دوره الراسخ في الاقتصاد العالمي، لذلك فإن أي تحول بعيد عن الدولار الأميركي من المرجّح أن يكون تدريجياً ويحدث على مدى فترة طويلة، متأثراً بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة».
ويقول ديفيد جوربناز، المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICIS، إنه حال عدم ربط بيع السعودية نفطها الخام بالدولار، «سيؤدي ذلك إلى تقلبات أولية في سوق النفط حيث سيتفاعل المتداولون والمستثمرون مع حالة عدم اليقين، كما قد تصبح أسعار النفط أكثر عرضة للتقلبات في العملات المختلفة إذا تم تداول النفط بعملات متعددة، ما يؤدي إلى احتمال عدم استقرار الأسعار، ولكن على المدى الطويل قد تستقر السوق مع إنشاء آليات تسعير جديدة، ولكن الفترة الانتقالية قد تشهد تقلبات كبيرة في الأسعار».
وبحسب جوربناز، «قد تواجه السعودية مخاطر متزايدة في سعر الصرف إذا تمت مبيعات النفط بعملات متعددة، ما قد يؤثر في القدرة على التنبؤ واستقرار إيراداتها حيث التعامل مع عملات متعددة إلى زيادة تعقيد المعاملات وتكاليفها، ما يؤثر في صافي الإيرادات، لكنه على الرغم من احتمال وجود تحديات قصيرة المدى، فإن تنويع العملات التي تتلقى بها المدفوعات قد يسمح للسعودية بإدارة احتياطياتها بشكل أكثر استراتيجية، ما قد يؤدي إلى استقرار الإيرادات على المدى الطويل».
وبحسب الميزانية المالية للمملكة العربية السعودية، بلغت الإيرادات النفطية الفعلية للمملكة نحو 754.6 مليار ريال خلال سعودي عام 2023، مقابل 857.3 مليار ريال خلال عام 2022.
بيع النفط يدعم استقرار الدول
ويرى محلل أسواق النفط في ICIS، أن ربط مبيعات النفط بعملة معينة مثل الدولار الأميركي أدى إلى توفير الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالإيرادات بشكل تقليدي، كما أن الحفاظ على عملة واحدة لمعاملات النفط يؤدي إلى تبسيط عملية التداول وتقليل المخاطر المالية.
وبحسب جوربناز، فإنه حال أجريت معاملات النفط بعملات متعددة، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على تلك العملات، ما قد يؤدي إلى تعزيزها مقارنة بالدولار، كما قد تقوم البنوك المركزية والمستثمرون بتنويع احتياطياتهم، ما يقلل من اعتمادهم على الدولار الأمريكي، ويؤدي إلى انخفاض تدريجي في هيمنة الدولار في مقابل العملات الأخرى».
ويقول محلل أسواق النفط في ICIS، إن نظام البترودولار كان حجر الزاوية في النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة، ومن الممكن أن يؤدي حلها إلى تقليل النفوذ الاقتصادي الذي تمتلكه الولايات المتحدة على البلدان المصدرة للنفط والمستوردة له، بالإضافة إلى أن البلدان تحصل على قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي في سياساتها الاقتصادية، ما يقلل من اعتمادها على النظام المالي الأميركي وإطاره التنظيمي.