أثار الحريق الذي اندلع قرب محطة زابوريجيا النووية جنوب أوكرانيا مخاوف بشأن وجود المحطات النووية في أوروبا، وما قد تسفر عنه الحرب الروسية الأوكرانية من تهديد للسلامة النووية في المنطقة.
ورغم تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن الحريق لا يشكّل تهديداً لأمن المنشأة وسلامتها النووية، لكن تُسلّط هذه الحادثة الضوء على أهمية الطاقة النووية لقارة أوروبا كأحد المصادر الرئيسية للطاقة ومخاطر تضرره على أمن الطاقة والبشرية على حد سواء.
حريق زابوريجيا
أدّى تطور الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتقدم القوات الأوكرانية بما يصل إلى 30 كيلومتراً داخل روسيا، في أعمق وأهم توغل منذ أن بداية الحرب في فبراير شباط 2022، إلى اندلاع حريق بالقرب من محطة زابوريجيا النووية جنوب أوكرانيا.
وتبادلت أوكرانيا وروسيا الاتهامات يوم الأحد، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القوات الروسية أشعلت حريقاً في المصنع الذي احتلته القوات الروسية منذ أكثر من عامين، بينما قال حاكم زابوريزهيا الذي عيّنه الكرملين إن القصف الأوكراني تسبب في الحريق.
وقالت شركة الطاقة النووية الأوكرانية إنرجوأتوم في بيان لها على تطبيق الرسائل تليغرام، إن أحد أبراج التبريد وأجزاء أخرى تضررت جراء الحريق، لكنها لم تبلغ عن وجود أي أثر للإشعاع النووي.
ومع ذلك، هدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من المخاوف قائلة إن الحريق لا يشكّل تهديداً لأمن المنشأة وسلامتها النووية، لكنها حذّرت من تفاقم الصراع وتداعياته على السلامة النووية في المنطقة، وحثت روسيا وأوكرانيا على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.
وتعتبر محطة زابوريجيا أكبر محطة للطاقة النووية في قارة أوروبا، ومن بين أكبر 10 محطات في العالم، لكنها تقع تحت السيطرة الروسية منذ عام 2022 بعد بدء الحروب الروسية الأوكرانية.
توليد الكهرباء والطاقة النووية
في أعقاب التأثير الكبير على إمدادات الطاقة الأوروبية من الحرب في أوكرانيا، قدمت المفوضية الأوروبية في مايو أيار 2022 خطة تهدف إلى التخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، داعية إلى تعزيز نشر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
ومع ذلك فإن الطاقة المتجددة وحدها لن تكون فعّالة من حيث التكلفة، إذ كشفت دراسة أجرتها مؤسسات تابعة للبرلمان الأوروبي في فبراير 2021، أنه في السيناريوهات الواقعية، لا توجد مساحة كافية من الأراضي لتلبية الطلب الكامل على الطاقة في دول مثل هولندا وجمهورية التشيك إذا اعتمدوا فقط أو في الغالب على طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وخلصت الدراسة إلى أن الطاقة النووية أكثر فاعلية من حيث التكلفة من مصادر الطاقة المتجددة، وأضافت أنه حتى عندما تؤخذ التحسينات الرئيسية في كفاءة مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الاعتبار، فإن الطاقة النووية ستظل الخيار الأرخص عام 2050.
ونتيجة لتزايد أهمية توليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، بدأت بعض البلدان التي لم يكن يُنظر إليها على أنها منتجة كبيرة للطاقة النووية، مؤخراً بتكثيف إنتاجها، وفي عام 2022، ارتفع إنتاج هولندا بنسبة 19.8 في المئة، وجمهورية التشيك بنسبة 19.1 في المئة، والمجر 17.5 في المئة، وفنلندا 10.6 في المئة.
وبحلول 2023، أنتجت المحطات النووية في الاتحاد الأوروبي 0.62 مليون غيغاواط في الساعة أو ما يمثل 22.8 في المئة من إنتاج الطاقة في الكتلة، ما يعكس زيادة بنسبة 1.2 في المئة على أساس سنوي، وفقاً لبيانات المفوضية الأوروبية.
وعلى النقيض من الوقود الأحفوري، تتمتّع الطاقة النووية بميزة أنها لا تنتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي لا تسهم في الانحباس الحراري العالمي، ما يجعلها مصدراً جذاباً للدول الأوروبية من أجل تحقيق أهداف المناخ.
المفاعلات النووية في أوروبا.. جرس إنذار
يوجد إجمالي 167 مفاعلاً للطاقة النووية بقدرة على توليد الكهرباء تبلغ 147.77 غيغاواط قيد التشغيل في أوروبا حتى يوليو تموز 2024، وفقاً لبيانات الجمعية النووية الأوروبية، بجانب عشرة مفاعلات بقدرة على توليد الكهرباء تبلغ 11.6 غيغاواط قيد الإنشاء في خمس دول.
وتحتفظ فرنسا بلقبها كأكبر منتج للطاقة النووية في أوروبا، بينما أوقفت ألمانيا أخيراً خططها للطاقة النووية، وفي الوقت نفسه، قامت البلدان ذات القدرات الأصغر بزيادة إنتاجها على مدار الأعوام القليلة الماضية.
وتأتي فرنسا على رأس دول القارة امتلاكاً للمفاعلات النووية بإجمالي 56 مفاعلاً، يليها الجزء الأوروبي من روسيا الذي يضم 36 مفاعلاً، ثم أوكرانيا مع 15 مفاعل نووي، كلهم قيد التشغيل.
وبالنظر إلى عدد المفاعلات النووية في أوكرانيا وروسيا الذي يتجاوز 50 مفاعلاً، تزداد المخاوف من إمكانية حدوث انفجارات نووية بسبب تصاعد الحرب بين البلدين، ما يُسلّط الضوء على الإجراءات الوقائية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.
مخاطر وإجراءات وقائية
رغم المزايا العديدة لتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية من حيث التكلفة مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى، فإنها لا تخلو من العيوب وعلى رأسها أضرار النفايات المشعة التي تنتجها المفاعلات النووية على صحة الإنسان والبيئة، لذلك تتطلب تخزيناً آمناً لمئات السنين.
علاوة على ذلك، أثارت الكوارث النووية مثل كارثة تشيرنوبيل عام 1986 وفوكوشيما عام 2011 مخاوف بشأن سلامة محطات الطاقة النووية وفتحت مناقشات حول الفوائد مقابل التكاليف.
لذلك تسعى الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية (اليوراتوم) إلى اتخاذ إجراءات وقائية بهدف تجنب مثل هذه الكوارث، ويتراوح ذلك من تقييمات السلامة قبل إنشاء محطات جديدة لتوليد الطاقة إلى الإدارة الآمنة والمسؤولة للوقود المستهلك والنفايات المشعة، وإيقاف تشغيل المنشآت المتوقفة عن العمل كجزء من المرحلة النهائية من دورة حياتها.
كما يجب على جميع مستخدمي المواد النووية في الاتحاد الأوروبي تقديم معلومات عن منشآتهم، والإبلاغ عن تدفقات المواد النووية ومخزونها، وتقوم اللجنة بعد ذلك بتحليل المعلومات المعلنة وإجراء عمليات تفتيش ميدانية للتحقق من دقة المعلومات المبلغ عنها.
ويتعين على البلدان الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً أن تقوم بتحويل الإطار القانوني لليوراتوم إلى تشريعاتها الوطنية، كجزء من عملية الانضمام.
ومع ذلك، فإن جميع هذه الإجراءات تظل فعالة في فترات السلم واستقرار الأوضاع الجيوسياسية وعدم تعرض المحطات النووية إلى ضربات مباشرة، أما في أوقات الحرب، تكون المخاوف المرتبطة بالمخاطر النووية سيدة الموقف.