إن وفاء إندونيسيا بتعهدها بالتخلص التدريجي من الطاقة التي تعمل بالفحم في غضون 15 عاماً فقط والوصول إلى انبعاثات صفرية صافية بحلول منتصف القرن هو «مهمة شاقة» تتطلب عملاً فورياً وطموحاً، كما حذّر الخبراء.
قدّم الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو التزاماً مفاجئاً في قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي بإغلاق مئات محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والوقود الأحفوري بحلول عام 2040، وهو تعهد جريء من أحد أكبر منتجي ومستهلكي الفحم في العالم.
وقال فهمي راضي، المحاضر وخبير اقتصاد الطاقة في جامعة غاجاه مادا «سيكون من الصعب تحقيق ذلك.. نحن بحاجة إلى تغيير كامل للقيام بذلك».
وفقاً لوزارة الطاقة والموارد المعدنية، توجد في إندونيسيا حالياً 253 محطة طاقة تعمل بالفحم، بما في ذلك أكبر محطة في جنوب شرق آسيا في مجمع سورالايا في جزيرة جاوة.
هناك عشرات المحطات الأخرى قيد الإنشاء، بما في ذلك ما يُسمّى بمحطات الفحم الأسيرة التي تزوّد الصناعة بالطاقة بدلاً من الشبكة.
وبحسب تقديرات الباحثين، فإن إغلاق هذه الشبكة لتحقيق هدف برابوو المتمثل في تحقيق صافي انبعاثات صفرية قبل عقد من الزمن من المخطط له مسبقاً قد يكلف عشرات المليارات من الدولارات.
وبينما ضمنت إندونيسيا شراكة انتقال الطاقة العادلة بقيمة 20 مليار دولار مع الدول المتقدمة عام 2022، والتي كان من المفترض أن تسرّع انتقالها إلى الطاقة النظيفة، إلاّ أن القليل من هذه الأموال لم يُرَ حتى الآن.
كان هدف جاكرتا، قبل إعلان برابوو، هو إغلاق 13 محطة تعمل بالفحم بحلول عام 2030، ما يشير إلى الطموح في جدوله الزمني الجديد.
وتقول الحكومة إنها تريد بناء أكثر من 75 غيغاواط من سعة الطاقة المتجددة بحلول عام 2040 لكنها لم تحدد حتى الآن سوى القليل من التفاصيل حول كيفية تحقيق أهدافها الجديدة.
وقال شقيق برابوو هاشم دجوجوهاديكوسومو، وهو رجل أعمال لديه مصالح في التعدين والطاقة المتجددة وهو الآن مبعوث خاص للطاقة والبيئة، إن جاكرتا تريد بناء محطتين للطاقة النووية.
ولكن البناء بعيد، إذ لم تقترح جاكرتا حتى الآن مواقع لهذه المحطات.
وقال فهمي «الالتزام موجود، لكنني لا أرى حالياً أي تنفيذ أو تحقيق».
تكلفة التحول عن الفحم
لقد ثبت أن إدمان الفحم في الأرخبيل يصعب التخلص منه من قبل.. إذ أعلن سلف برابوو جوكو ويدودو وقفاً مؤقتاً لبناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم عام 2022.
ومع ذلك، استمرت المشاريع المتفق عليها قبل الحظر ولا يزال الفحم يمثل ثلثي توليد الطاقة، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
يعكس هذا حقيقة أن الفحم مورد رخيص وموثوق به للاقتصادات سريعة التوسع مثل إندونيسيا، حيث ينمو الطلب على الطاقة بشكل مطرد.
كما أن محطات الفحم في إندونيسيا جديدة في الغالب، ما يجعل إيقاف تشغيلها مبكراً أمراً مكلفاً.
قدّر معهد إصلاح الخدمات الأساسية (IESR)، وهو مركز أبحاث الطاقة ومقره جاكرتا، أن إندونيسيا ستحتاج إلى 27 مليار دولار بحلول عام 2040 لإغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والتي تولد طاقة إجمالية تبلغ 45 غيغاواط.
وتصر شركة الكهرباء الحكومية بي إل إن، التي تقول إن إغلاق محطة واحدة قد يكلف ما يقرب من ملياري دولار، على أنها لن تتحمل التكلفة.
وقال مديرها دارماوان براسودجو للبرلمان الأسبوع الماضي «يجب أن يكون إغلاق محطة طاقة تعمل بالفحم محايداً للتكلفة.. إذا كانت هناك تكاليف إضافية، فهي ليست مسؤولية الحكومة أو الشركة».
يجادل الناشطون بأن هناك حاجة إلى تغيير الواقع، إذ قالت أديلا إسفندياري، وهي ناشطة في مجال المناخ والطاقة في منظمة السلام الأخضر في إندونيسيا، لوكالة فرانس برس «لا يزال هناك العديد من السياسات التي لا تهدف إلى التحول الحقيقي في مجال الطاقة».
وقالت «مناخ الاستثمار لدينا ليس جيداً، ولا يزال (المستثمرون) لا يرون الطاقة المتجددة كمشروع قابل للتمويل بالنسبة لهم، خاصة وأن الفحم لا يزال رخيصاً جداً».
مهمة إلى المريخ
يقول الخبراء إن هناك طريقاً لتحقيق أهدافها إذا كانت الحكومة جادة. ستحتاج الحكومة إلى إيقاف تشغيل ثلاثة غيغاواط من طاقة الفحم سنوياً على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة مع زيادة الطاقة المتجددة بسرعة، وخاصة الطاقة الشمسية، وفقاً لمركز أبحاث الطاقة «إمبر».
أطلقت إندونيسيا أكبر محطة للطاقة الشمسية العائمة في المنطقة العام الماضي بسعة 192 ميغاواط ولديها أيضاً طاقة غير مستغلة من الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية.
وقال المدير التنفيذي لمعهد البحوث الاقتصادية فابي توميوا إن الحكومة بحاجة قبل كل شيء إلى مطابقة مبادرتها الجريئة بخريطة طريق جريئة.
وقال لوكالة فرانس برس «هذا الأمر برمته مهمة شاقة ومكلفة للغاية».
وأضاف «نحن بحاجة إلى التعامل مع هذا الأمر باعتباره مهمة، ولتحقيق هذه المهمة نحتاج إلى التغييرات والتحسينات والإصلاح».
يتعين على الحكومة أن تضمن عدم إنشاء محطات جديدة تعمل بالفحم بعد العام المقبل ورفض أي تمديدات للمحطات المقرر إحالتها إلى التقاعد، وقال إنه من الممكن أيضاً تبسيط اللوائح وتوفير الحوافز للطاقة المتجددة.
وقال فابي «الآن قد يبدو الأمر وكأنه مهمة إلى المريخ».