تواجه إيران إغلاقات واسعة النطاق للمرافق العامة، وهي الخطوة التي يعزوها المسؤولون إلى انخفاض درجات الحرارة والحاجة إلى إدارة الطاقة بينما تعاني البلاد نقصاً هائلاً.

أغلقت المدارس والجامعات والمكاتب الحكومية والبنوك في المناطق الممتدة من طهران إلى غرب أذربيجان، في انتظار أشهر الشتاء الأسوأ في المستقبل، وتقول السلطات إن هذه الإجراءات ضرورية للحفاظ على الموارد، ولكن خبراء الطاقة يحذّرون من قضية أكثر خطورة وهي أزمة البنية الأساسية المتفاقمة.

توقع محلل دبلوماسية الطاقة مهدي عرب صادق عواقب وخيمة إذا استمرت الظروف الحالية.

وقال في منشور على إكس «إيران على وشك انقطاع التيار الكهربائي بنسبة 40 في المئة في غضون 18 يوماً فقط».. ووفقاً له، فإن البنية التحتية الهشة في البلاد، واحتياطيات الوقود السائل المحدودة، وأنظمة الغاز إلى الكهرباء المثقلة بالأعباء هي التي تدفع إلى عمليات الإغلاق، وفقاً لإيران إنترناشونال.

وفي طهران، أغلقت المدارس والمكاتب والجامعات أبوابها يوم الأحد بسبب المخاوف من انخفاض درجات الحرارة وتلوث الهواء، واتخذت محافظتا مازندران وجولستان الشماليتان خطوات مماثلة، فأغلقتا المؤسسات والمكاتب غير المخصصة للطوارئ في محاولة للحفاظ على الطاقة.

وفي خراسان الجنوبية، أمرت قوات العمل المحلية بإغلاق جميع المرافق الحكومية، فيما أعلنت أذربيجان الغربية إغلاقات بهدف توفير الغاز والكهرباء.

ويشبه حجم عمليات انقطاع الكهرباء ما حدث هذا الصيف عندما انهارت شبكة الكهرباء في إيران تحت وطأة ذروة الطلب خلال ارتفاع درجات الحرارة.

أزمة الطاقة في إيران

عانى قطاع الطاقة في إيران فترة طويلة من الإخفاقات النظامية الناجمة عن عقود من نقص الاستثمار.. وعلى الرغم من كونها موطناً لبعض أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، فإن البلاد تواجه عجزاً مذهلاً في الاستثمار في قطاع النفط والغاز بقيمة 250 مليار دولار وفجوة إضافية بقيمة 19 مليار دولار في البنية التحتية للكهرباء.

وأدت هذه الأعطال إلى انقطاعات متكررة للكهرباء، ما أثّر على الإيرانيين خلال حرارة الصيف الشديدة وبرودة الشتاء.

ولم تؤدِ التحولات السياسية الأخيرة إلّا إلى تعميق الضغوط على الأسر؛ ففي نوفمبر تشرين الثاني، تم فرض تعريفات أعلى على الغاز لزيادة إيرادات الدولة، وعلى الرغم من أن المسؤولين ألقوا باللوم على المواطنين في الاستهلاك المفرط، فإن محللي الطاقة يزعمون أن المشكلة الحقيقية تكمن في البنية الأساسية القديمة وعدم كفاية القدرة على تلبية الطلب المتزايد.

وتحدث عرب صادق عن الحالة المزرية التي وصلت إليها شبكة الكهرباء، موضحاً أن ممر تبادل الغاز من الجنوب إلى الشمال أصبح متهالكاً وغير قادر على تلبية احتياجات محطات الطاقة، وأضاف «إذا تمكنا من توريد 150 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً».

اقتصاد إيران إلى أين؟

الواقع أن الخلفية الاقتصادية قاتمة بالقدر نفسه؛ ففي يوم السبت، شهدت سوق العملة في طهران ارتفاع قيمة الدولار إلى ما يزيد على 750 ألف ريال، مدفوعاً بتصاعد التوترات الجيوسياسية والتكهنات بشأن تجدد الضغوط الأميركية.. ومع تزايد التضخم الذي يضغط بالفعل على الأسر الإيرانية، يزعم المنتقدون أن عمليات الإغلاق تعكس عجز الحكومة عن معالجة الأزمة بشكلٍ شامل.

وتزداد معالجة الحكومة لقضايا الطاقة تعقيداً بسبب أولوياتها المالية في الخارج، فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً بأن إيران أنفقت أكثر من 20 مليار دولار لدعم حزب الله، في حين أقر المسؤولون الإيرانيون بإنفاق 30 مليار دولار كمساعدات لسوريا، ويزعم المنتقدون أن هذه النفقات أدت إلى تفاقم الأزمات المحلية، وتحويل الأموال بعيداً عن الاستثمار في البنية الأساسية الحيوية.

وفي الوقت ذاته، لجأت إيران إلى وحدات البتروكيماويات لإنتاج النفتا كبديل للبنزين، وعلى الرغم من أن النفتا أرخص، فإنها أكثر تلويثاً وأقل كفاءة.

مع تعطيل الحياة اليومية بسبب الإغلاقات ونقص الطاقة، سعت الحكومة إلى تحويل المسؤولية إلى المواطنين.. وفي نداء مصور حديث، حث الرئيس مسعود بزشكيان الإيرانيين على الحد من الاستهلاك للمساعدة على معالجة النقص في نظام الطاقة، ومع ذلك، يبدو أن الأزمة بعيدة كل البعد عن الحل.. لا يزال تلوث الهواء في طهران شديداً، ويحذّر الخبراء من أن التدابير الحالية غير كافية لمنع المزيد من الاضطرابات.

إن قدرة إيران على التعامل مع الأشهر المقبلة سوف تعتمد على قدرتها على تحقيق التوازن بين المطالب المحلية وطموحاتها الجيوسياسية.. وفي الوقت الحالي، تظل البلاد عالقة في حلقة مفرغة من النقص والإغلاقات والحلول المؤقتة، في حين يستعد الملايين لشتاء قاسٍ وغير مؤكد.