من بعيد، تبدو «باموكالي» وكأنها منتجع تزلج، حيث تتدفق منحدرات بيضاء ناصعة، وينتشر السياح في أعلاها، وكأنهم يستعدون للتزلج نحو الوادي، لكن لماذا لا تذوب تحت حرارة الصيف التي تقارب 37 درجة مئوية، أو 100 فهرنهايت، فيما الهواء يتلألأ تحت وطأة الحرارة؟
السبب هو أن هذه الأعجوبة الطبيعية الجميلة، الواقعة في تلال جنوب غرب تركيا المشمسة، ليست ثلجاً على الإطلاق، في الواقع، المياه التي تشكلت منها تندفع أحياناً من الأرض بدرجة حرارة تغلي.
أما هؤلاء الزوار الذين يتجولون في القمة، فهم ليسوا في عجلة من أمرهم؛ معظمهم هنا للاستمتاع بالمشهد الاستثنائي وللتجول أو الاسترخاء في بعض من أجمل برك العالم.
اليوم، تشكل منحدرات «باموكالي» من الحجر الجيري وبركها المليئة بالمياه المعدنية الزرقاء اللبنية مكاناً مثالياً لالتقاط الصور، خصوصاً عند غروب الشمس عندما تتلون الأسطح المتموجة بظلال وردية.
بوابة الجحيم
لكن هذه البقعة كانت وجهة سياحية رائعة قبل آلاف السنين من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توافد إليها الإغريق ثم الرومان للاستمتاع بالمياه الحرارية، ولزيارة ما كان يُعتبر بوابة للجحيم.
اليوم، تُعتبر «باموكالي» ومدينة «هيرابوليس» القديمة التي تمتد على الهضبة فوق الشرفات البيضاء، جزءاً من موقع تراث عالمي لليونسكو، ويجذب المكان حافلات مليئة بالزوار، بينما يزور العديد منهم الموقع لساعات قليلة، يستحق الأمر قضاء يوم كامل في هذا الملعب الجيولوجي والتاريخي.
الدخول من البوابة الجنوبية يتطلب تذكرة تكلف نحو 30 يورو (33 دولاراً)، ولكن المناظر الخلابة تأتي لاحقاً، بعد مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من البوابة، تظهر حافة الهضبة بخط من الأشجار، وعلى الرغم من معرفتك بما ينتظرك، فإن رؤية المشهد الأبيض اللامع تظل مفاجأة مبهرة.
على مر القرون، أسهمت المياه الحرارية المتدفقة في تكوين تراسات بيضاء تشكل ما يُعرف بـ«قلعة القطن» في اللغة التركية.
كانت هذه التراسات تحتوي على برك طبيعية مليئة بالمياه الزرقاء، ولكن معظمها الآن خالٍ من الماء ومحظور الوصول إليها، ما أثار بعض الشكاوى من أن الموقع لم يعد كما كان في الصور القديمة.
برك هادئة
ما زال هناك عدد من البرك الهادئة التي تنحدر على التل، ما يوفر مكاناً رائعاً للغمر في المياه الضحلة والطين الذي يُقال إنه يمتلك خصائص علاجية.
لاستكشاف التراسات، يتعين على الزوار خلع أحذيتهم، على الرغم من أن الصخور غير مريحة وزلقة في بعض الأماكن، فإنه لا يستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى أولى البرك؛ حيث تنغمس الأقدام في الرواسب الناعمة.
التراسات العلوية هي الأكثر ازدحاماً، لكن لمن يرغب في التقدم إلى الأسفل، يمكنه العثور على بركة خاصة به.
بالإضافة إلى ذلك، على بعد نحو خمس دقائق سيراً على الأقدام من قمة التراسات، توجد «البركة الأثرية» حيث يمكن للزوار، مقابل رسوم إضافية، الاستمتاع بالسباحة في المياه الحرارية النقية التي تتدفق فوق بقايا معبد قديم للإله أبولو.
مدينة البخار
تُعد «هيرابوليس» موقعاً أثرياً واسعاً، وتحتوي على العديد من المعالم البارزة، بما في ذلك المسرح الروماني الضخم وسوق كبيرة تعود إلى القرن الثاني. لقد كان للموقع أهمية دينية كبيرة؛ حيث كان يحتوي على كهف يُعرف بـ«بوابة الجحيم»، حيث كانت الحيوانات تُضحى وتنهار بسبب الغازات السامة، بينما يخرج الكهنة سالمين.
اليوم، يستمر الجذب السياحي لباموكالي بفضل جمالها الفوتوغرافي على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بعض السكان المحليين يشعرون بالحزن على التغييرات التي طرأت على تجربة الزوار، بعد إدراج باموكالي في قائمة اليونسكو، تم تقييد الوصول إلى العديد من البرك وتم توجيه المياه عبر قنوات من صنع الإنسان للحفاظ على الموقع.
بالقرب من باموكالي، توجد مدينة «كراهييت» التي تحتوي على ينابيع مياه غنية بالحديد، حيث تصل درجات الحرارة إلى نحو 50 درجة مئوية، وهناك بلدة أخرى تُعرف باسم «بوهاكينت» التي تشتهر بمحطتها الأولى للطاقة الحرارية الجوفية في تركيا.
في فصل الشتاء، قد يصبح الجو بارداً بما يكفي لتساقط الثلوج في باموكالي، ولكن بفضل القوى الحرارية الجوفية، تبقى هذه المنطقة وجهة سياحية ساخنة طوال العام.
(باري نيلد CNN)