في وقت يسود فيه التطور الرقمي ويزداد إقبال القراء على منصات الإنترنت، تبرز بارنز آند نوبل كأحد أبرز الأمثلة على انتعاش قطاع الكتب الورقية، بعد غياب دام أكثر من عقد، عاد عملاق الكتب الأميركي ليحتل مجدداً موقعه في حي جورجتاون بواشنطن، في خطوة ليست مجرد إعادة فتح متجر، بل دلالة على عودة قوية لثقافة الكتب التقليدية.
في ظل تحول العديد من المتاجر إلى منصات إلكترونية، يبشر هذا التحرك بعودة تواصُل القراء مع الكتب الحقيقية، مُؤكداً أن هناك دائماً مكاناً للكتاب الورقي في عالمنا المتسارع.
عودة بارنز آند نوبل
شهد حي جورجتاون في واشنطن العاصمة هذا الشهر عودة أحد المحال التجارية الشهيرة التي كانت قد غادرت قبل أكثر من عقد من الزمان.
في خطوة قد تكون أكثر رمزية من كونها تجارية، استعاد متجر «بارنز آند نوبل»، أكبر بائع تجزئة للكتب في أميركا، متجره الرئيسي الذي كان قد غادره في عام 2013.
هذه الخطوة هي جزء من خطة توسعية طموحة تشمل أكثر من 60 موقعاً جديداً سيتم افتتاحها هذا العام، وهي خطة كان من المستحيل تصورها قبل تولي جيمس داونت منصب الرئيس التنفيذي في عام 2018.
وأشار داونت إلى العودة إلى فرع جورجتاون باعتبارها «مثالاً درامياً على إحياء المتاجر التقليدية للكتب».
البداية الجديدة لشركة بارنز آند نوبل
قبل وصول داونت، كانت «بارنز آند نوبل» في المسار نفسه الذي سلكته العديد من متاجر التجزئة الأميركية التي كانت تعاني من تراجع المبيعات، ما أدى إلى إغلاق مئات المتاجر مع استمرار الناس في شراء الكتب من المتاجر الإلكترونية مثل أمازون.
لكن الشركة قامت بإعادة هيكلة نموذج عملها، حيث بدأت التركيز على تفضيلات العملاء أكثر من العروض الترويجية، وتوجهت نحو جمهور القراء الذين يتفاعلون عبر منصات التواصل الاجتماعي.
نهضة الكتاب
يميز داونت نفسه عن أسلافه بوصف نفسه كبائع كتب بدلاً من بائع تجزئة، وهو تمييز يبدو بسيطاً، لكن له أهمية كبيرة بالنسبة لاستراتيجية «الكتب أولاً» التي تعتمدها الشركة.
وقال داونت «المشكلة مع بارنز آند نوبل عندما توليت المسؤولية لم تكن المتاجر نفسها جيدة جداً، أعتقد أن المتجر الجيد يجب أن يكون مُنسقاً بشكل صحيح، وهذا هو جوهر مهارة البائع الذي يختار العناوين التي يعتقد أنها ستهم العملاء ويعرضها بشكل جيد».
كانت استراتيجية داونت بمثابة مغامرة، حيث اعتمد على حكم مديري المتاجر الفرديين، وتخلَّى عن الإيرادات التي تدفعها دور النشر الكبيرة مقابل مساحات العرض التي تروج للإصدارات الجديدة.
لكن اعتماد نموذج المكتبات المستقلة أثبت نجاحه، حيث أظهرت بيانات حركة الزوار أن الزيارات إلى بارنز آند نوبل قد ارتفعت بنسبة 7% منذ عام 2019، وفقاً لشركة تحليل المواقع “Placer.ai”.
نجاح نموذج BookTok
يعزو داونت جزءاً من النجاح الأخير لشركة «بارنز آند نوبل» إلى BookTok، وهو مجتمع فرعي على تطبيق تيك توك نشأ في عام 2020؛ حيث قدَّم المؤثرون توصيات للكتب وشاركوا اكتشافاتهم الجديدة.
وقد لاقى هاشتاج BookTok أكثر من 40 مليون منشور، وما زال في تزايد مستمر، مع تأثير يتجاوز المساحة الرقمية.
تقول شانون ديفيتو، رئيسة قسم الكتب في بارنز آند نوبل «لقد استفادت العديد من المتاجر من ذروة BookTok، وأعدت طاولات وأرففاً خاصة بها بأحجام متنوعة؛ لأنها تمتعت بتلك المرونة، وهذه واحدة من الأمور الجميلة؛ أن المتاجر تقرر مصيرها الخاص».
دور الفعاليات في جذب الزوار
تنظم بارنز آند نوبل أيضاً فعاليات مجتمعية؛ استغلالاً لشعبية BookTok، مثل حفلات الإطلاق في منتصف الليل ومسابقات الأزياء، تقول ديفيتو «المتاجر تقرر تنظيم فعاليات لمناطقها، حيث نشهد حضور المئات من الأشخاص في إصدارات الكتب، لقد أثار ذلك مستوى من الحماسة حول إصدارات الكتب لم نشهده منذ إصدار هاري بوتر».
إثبات استمرار الطلب على الكتب الورقية
لكن أكثر من ذلك، تؤكد عودة متاجر بارنز آند نوبل قناعة الشركة بأن هناك شهية للمستهلكين للكتب الورقية.
مثل معظم المكتبات، يعد الكتاب الورقي المصدر الرئيسي لإيرادات بارنز آند نوبل، إضافةً إلى الإصدارات المحدودة التي توفرها حصرياً (غالباً ما تحتوي على أعمال فنية خاصة أو مشاهد إضافية).
وقالت ديفيتو «دائماً ما يحدث شيء يُعتبر نذيراً لموت الكتب، لكن ما شهدناه في السنوات الأربع الماضية هو العكس تماماً، فالتوقعات المستقبلية الآن إيجابية حقاً، وهو أمر لم أكن قادراً على قوله قبل بضع سنوات».