إنذار واضح مصدره ارتفاع عوائد السندات الأميركية.. السيناريو الأمثل للذهب

التعريفات الجمركية تضغط على اقتصاد أميركا وأسواقها

إنذار تلو الآخر مصدره السندات الأميركية طويلة الأجل، وسط موجات بيع مستغربة تُخالف النمط الطبيعي تاريخياً. فالسندات الأميركية التي تعتبر عادةً من أهم الملاذات الآمنة في أوقات عدم اليقين، بدأت اليوم تُثير المخاوف من انتشار سلوك بيعي في الأسواق العالمية.

بداية، بلغت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 أعوام أعلى مستوياتها منذ فبراير شباط الماضي، فيما السندات لأجل 20 عاماً وصلت عوائدها إلى أعلى مستوياتها منذ بداية أكتوبر 2023، وكذلك عوائد السندات لأجل 30 عاماً لامست أعلى مستوياتها من أكتوبر 2023.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

الخطر.. بين قرارات البيت الأبيض والتباطؤ الاقتصادي

قال مازن سلهب، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بي دي سويس»، في حديث لـ«CNN الاقتصادية»، إن عوائد السندات تتأثر عموماً بعاملين؛ الأول توقعات أسعار الفائدة، وذلك بُعَيد اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المنتظر في 17 و18 يونيو المقبل، والثاني توقعات التضخم الذي لم يلبث أن تمت السيطرة عليه نسبياً حتى جاءت تعريفات ترامب الجمركية لتضرب كل شيء بعرض الحائط.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وأضاف «يبدو أن عوائد السندات الأميركية تقرأ أن الفيدرالي سيُبقي أسعار الفائدة لوقت أكثر من المتوقع مرتفعة، وبالتالي هذا يعزّز توقعات استمرار التضخم المرتفع، وهو ما دفعها للارتفاع إلى هذه المستويات».

وأوضح أنه بشكل غير مباشر أيضاً، ما يجري في البيت الأبيض من قرارات الرئيس دونالد ترامب وحربه التجارية، يشكّل الارتباط الثاني بالارتفاع الذي نراه اليوم بالعوائد، مشيراً إلى أنه إذا ما بقيت كما هي عليه قد لا نرى تأثيرها في المدى القصير، ولكن «حتماً سنراه في السنوات القادمة، وهذا يعني أن التضخم العالمي سيظل مرتفعاً».

تراجع ثقة المستثمرين.. إنذار واضح

أشار سلهب إلى أن ما يحدث في سوق السندات الأميركية «له تبعات سيئة، لأن الارتفاع في عوائد السندات الأميركية يعني أن أعباء خدمة هذا الدين ستزداد على وزارة الخزانة الأميركية، وبالتالي زيادة في عجز الميزان التجاري».

وتابع «هناك إشارة واضحة أنه ليست هناك ثقة لدى المستثمرين بالسندات الأميركية على الرغم من أنها كانت تاريخياً أدوات استثمارية عالية الأمان والاستقرار».

ورأى أن المشكلة الأكبر، تكمن في أن الارتفاع في عوائد السندات الأميركية أدّى أيضاً إلى ارتفاع عوائد السندات الأخرى عالمياً، وهذا يعني أن البنوك المركزية الأخرى في العالم قد تكون مجبرة هذا العام على عدم خفض أسعار الفائدة بالوتيرة التي كانت متوقعة سابقاً.

كما لفت إلى أن السيناريو الأكثر ضرراً للاقتصاد الأميركي الارتفاع في عوائد السندات قد يجبر الفيدرالي على تخفيض الفائدة، عوضاً عن تخفيضها طوعاً بمعايير منطقية اقتصادية، بل بسبب التراجع في النمو الاقتصادي، وهو ما قد يجعل العواقب كارثية على الاقتصاد الأميركي أولاً، والعالمي كذلك.

السيناريو الأفضل للذهب والفرنك السويسري والين الياباني

رداً على سؤال حيال سوق الأسهم العالمية والأثر الذي ستتركه عليه حالة عدم اليقين هذه، قال سلهب إن المخاطر التي تم تسعيرها في سوق العملات مثلاً والتي تجلت في بيع الدولار والتحوط بالين والفرنك السويسري، لم يتم تسعيرها في المقابل في سوق الأسهم حتى الآن، وتأثير ارتفاع العوائد سيترك أثراً سلبياً في سوق الأسهم العالمية ولا سيما الأميركية، أمّا الرابح الأكبر فهو الذهب الذي تراه اليوم محلقاً فوق مستويات 3330 دولاراً للأونصة.

لكن من جهة أخرى، أكد سلهب أن السندات رغم كل ما يجري لا تزال الفرصة الأفضل لتحقيق الأرباح، وسط عوائد مرتفعة وأسعار سندات رخيصة.

اقتصاد أميركا.. لمحة عامة

جاءت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2025 مخيبة للآمال، إذ إنه عوضاً عمّا كانت عليه التوقعات من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة تتراوح بين 2 في المئة و4 في المئة في الربع السنوي المعتاد، انكمش الاقتصاد في الربع الأول من عام 2025 بنسبة 0.3 في المئة مسجلا أول انكماش له في 3 سنوات، مقابل نمو نسبته 2.4 في المئة في الربع السابق من عام 2024.

وكما هو معروف اقتصادياً، عند حدوث انكماش ربعي، يرتفع القلق من تكرار هذا السيناريو في الربع اللاحق، وهو ما ينتج عنه تقنياً حالة من الركود الاقتصادي.

أما التضخم، الذي ظل الاحتياطي الفيدرالي يعمل على احتوائه بعد انتشار كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت التضخم العالمي إلى مستويات فوق 10 في المئة في أكبر اقتصادات العالم، وما نتج عنه من أسعار فائدة قياسية، فيتوقع الاقتصاديون تباطؤاً طفيفاً في التضخم بأميركا هذا العام بعد توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري مؤقت، لكن المخاوف لم تنحسر أولاً انتظاراً لما ستنتهي إليه المحادثات الأميركية الصينية من جهة، وثانياً بعد رفع الرئيس ترامب من حدة سياساته تجاه أوروبا التي هددها بنحو 50 في المئة من الرسوم الجمركية قبل أن يوقفها تمهيداً لاتفاق.

الخلاصة، يبقى التقدير الأولي للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من عام 2025 المنتظر نشره في 30 يوليو تموز المقبل، أهم مؤشر على ما سيكون عليه مسار أسواق المال ليس في أميركا فقط، بل في العالم بأسره.