كلما زاد الخوف والفوضى من حربه التجارية زاد إصرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتعمقت قناعاته الراسخة بأن أعظم اقتصاد في العالم ضحية لمنافسين مخادعين عازمين على استغلاله.
صرح ترامب، أمس الاثنين، بانفتاحه على محادثات تجارية مع قوى اقتصادية كبرى مثل اليابان، لكنه هدد أيضاً برفع الرسوم الجمركية التراكمية على الصين إلى أكثر من 100 في المئة، كما ألمح إلى أن أصدقاء أميركا السابقين في الاتحاد الأوروبي أعداء لدودون لدرجة أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق عادل معهم، ووصف الاتحاد الأوروبي بأنه قد شُكِّل لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة «تجارياً».
بدد موقف ترامب آمال البعض بأن الرئيس يحاول فقط خلق نفوذ للحصول على شروط تجارية أفضل للولايات المتحدة، الواقع الآن أن المفاوضين الأجانب سيصطدمون بحائط صلب إذا كانوا يأملون في توقيع اتفاقيات تقليدية تسمح لكل طرف بادعاء انتصاره.
قال ترامب، موضحاً نهجه «يمكننا إبرام صفقة عادلة حقاً، صفقة جيدة للولايات المتحدة، وليست جيدة للآخرين، هذا هو مفهوم أميركا أولاً».
ومع رفض الرئيس الخضوع لأية ضغوط يعني بالضرورة أننا سنواجه حالة من فقدان الثقة في الاقتصاد العالمي وارتفاعاً في التضخم، وربما يصل الأمر إلى «الشتاء النووي الاقتصادي» كما ادعي بيل أكمان، رئيس صندوق تحوط «بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت»، يوم الأحد.
ربما في مرحلة ما، ستبلغ العواقب الاقتصادية والسياسية حداً حرجاً يضطر الرئيس إلى تغيير مساره، لكن هذه المعادلة مُرهِقة، لأنها تتعلق بمدى الألم الذي يمكن للأميركيين تحمله، ولكن حتى الآن، يعتقد الرئيس أنه يتمتع بسلطة شبه مطلقة، ولا يبحث عن مخرج من الأزمة.
صرح ترامب للصحفيين: «لن يفعل أحد غيري هذا، لدينا فرصة لتغيير بنية بلدنا، لدينا فرصة لإعادة ترتيب أوراق التجارة».
من الصعب تحديد الخطوة التالية نظراً للتناقض الهائل في جوهر سياسة ترامب.
يصر ترامب على أنه يحاول استعادة مجد القاعدة الصناعية الأميركية الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، الأمر الذي يتطلب سياسة حمائية لسنوات قادمة، بل وتعريفات جمركية مرتفعة دائمة، لكنه يؤكد انفتاحه على المفاوضات بشأن الصفقات التجارية، والأمران متعارضان بوضوح.
قال ترامب «كلاهما صحيح. يمكن فرض رسوم جمركية دائمة، ويمكن أيضاً إجراء مفاوضات، لأن هناك أموراً نحتاجها تتجاوز الرسوم الجمركية».
ولكن هذه الديناميكية لا تقدم الكثير لشركاء التفاوض المحتملين، فلماذا سيتفاوضون؟
الجدير بالذكر أن قناعة ترامب «مُطلقة» بمعتقداته بشأن التجارة، حتى لو تعارضت مع النظريات الاقتصادية المقبولة، أو نصائح الخبراء، أو حتى مع الواقع الذي نحياه الآن.
إن استراتيجية ترامب مُصممة لوقف هروب الوظائف منخفضة التكلفة إلى الخارج، ولا شك في الضرر الذي لحق ببعض الأميركيين جراء العولمة، التي خلّفت ملايين العمال الأميركيين دون سُبل عيش كريمة، وتسببت في تفكك اجتماعي.
ولكن هل رؤية ترامب لعودة التصنيع الأميركي إلى سابق عهده واقعية؟
تطبيق سياسات ترامب وتأسيس عدد كبير من المصانع في أميركا سيستغرق عقداً من الزمن أو أكثر، وليس هناك ما يضمن موافقة الإدارات الأميركية بعد ترامب على سياسات الرسوم الجمركية العنيفة، لهذا لن يتبعه الكثير من المُصنعين.
ويعتمد الاقتصاد الأميركي الحالي على الخدمات وتطوير التكنولوجيا المتقدمة، ومن الصعب رؤية العديد من الأميركيين يصطفون للحصول على وظائف منخفضة الأجر في الصناعات الثقيلة أو ورش الغزل والنسيج، وإذا فعلوا ذلك فمن غير المرجح أن تتمكن الشركات الأميركية من إنتاج سلع بأسعار رخيصة تنافس منافسيها في الخارج.
ولهذا السبب تحذّر بعض مؤسسات التمويل في وول ستريت من ارتفاع احتمالات الركود، فعلى سبيل المثال رفعت غولدمان ساكس تقييمها لاحتمالية حدوث الركود من 35 في المئة إلى 45 في المئة، أمس الاثنين.
صرحت لايل برينارد، نائبة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابقة، لشبكة CNN، بأن ترامب قد خلق إمكانية «ركود ذاتي».
وقالت برينارد، وهي مسؤولة كبيرة سابقة في إدارة كلينتون «عواقب هذا المسار واضحة بالفعل، تعرضت حسابات التقاعد الخاصة بالأميركيين لأضرار بالغة خلال الأيام القليلة الماضية نتيجة انهيار أسواق الأسهم، ولن يمر وقت طويل قبل أن يتحمل الأميركيون تكلفة أعلى لشراء أجهزة آيفون أو الغسالات نتيجة الرسوم الجمركية المُرتفعة».
وقال جريج مانكيو، الذي ترأس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس جورج دبليو بوش، لشبكة CNN «إذا واصل الرئيس ترامب هذا النهج، فسيكون ذلك خطأً اقتصادياً واسع النطاق، وهو أمر لم نشهده منذ نصف قرن»، وأضاف «لا أعرف ما هي النتيجة النهائية، ولكن إذا استمر في هذا النهج، فإن النتيجة ستكون قبيحة للغاية».