خلال سنوات الازدهار في الصين، كان مشهد العشاق الشباب الذين يحملون باقات ضخمة من الورود مشهداً مألوفاً خلال مهرجان الحب الصيني «تشي شي»، لكن العيد القديم المُخصص للاحتفال بالحب والولاء لم يكن بالبهجة نفسها هذا العام.

على مدار سنوات كانت ملايين صور الهدايا تتدفق على وسائل التواصل الاجتماعي، من هواتف الآيفون الجديدة إلى حقائب لويس فيتون التي أهداها العشاق لشركائهم، بالإضافة إلى صور العشاء في المطاعم الفاخرة خلال النسخة الصينية من عيد الحب، الذي يأتي عادةً في شهر يوليو أو شهر أغسطس من كل عام.

ويُحتفل بعيد تشي شي منذ آلاف السنوات في اليوم السابع من الشهر السابع في التقويم القمري الصيني، ووفقاً للأسطورة فهو اليوم الوحيد في السنة الذي يلتقي فيه العاشقان الأسطوريان نيولانغ وجينو على جسر سماوي.

كان الاحتفال مُبهجاً عندما كان النمو الاقتصادي في الصين محل حسد العالم، لكن مهرجان هذا العام، يوم السبت الماضي، حمل إلينا قصة مختلفة تماماً، حيث امتلأ الإنترنت بشكاوى الشباب من نقص الهدايا وغياب الروح الاحتفالية، مشيرين إلى الاقتصاد الراكد وسوق العمل الصعبة، ليصبح وسم «انخفاض الاستهلاك في عيد الحب الصيني.. هل الشباب غير راغبين في دفع ضريبة الحب؟» الأكثر شيوعاً على منصة ويبو يوم السبت، حيث اجتذب 200 مليون مشاهدة.

ولجأ أصحاب بعض محلات الزهور إلى منصات التواصل الاجتماعي للشكوى من نقص العملاء، ونشروا صوراً للورود غير المبيعة التي تصطف على جانبي متاجرهم، وانتشرت منشورات أخرى حزينة تشير إلى أن الأزواج كانوا يمتلكون المال لإنفاقه عندما كان ثاني أكبر اقتصاد في العالم ينمو بشكل جيد.

وتعاني الصين حالياً من سلسلة من المشكلات من تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي إلى الركود العقاري المُزمن وأزمة الديون المتصاعدة.

وقال ألفريد وو، الأستاذ المشارك في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في الجامعة الوطنية في سنغافورة، إن الشباب الذين اعتادوا أن يكونوا من أهم المنفقين خلال عيد تشي شي يكافحون الآن من أجل العثور على وظائف، «أعتقد أن المعنويات سيئة جداً والمستهلكون محافظون للغاية»، مضيفاً أن المشاعر السلبية أصبحت «النمط العام، وليس مجرد ظاهرة ترتبط بمهرجان واحد».

وقال ييب جون رونغ، الباحث في استراتيجيات أداء السوق الصيني في شركة التداول «آي جي»، إن الانخفاض في الإنفاق يبدو متوافقاً مع «هبوط ثقة المستهلك في الصين إلى قرب أدنى مستوى لها على الإطلاق».

معاناة الشركات العالمية

يمثل السلوك السلبي للعشاق في الصين أزمة للحكومة والشركات العالمية في بكين، وفي الأسابيع الأخيرة دقت الشركات متعددة الجنسيات الغربية ناقوس الخطر بشأن ضعف الطلب في الصين، ويشمل ذلك شركات مستحضرات التجميل العملاقة مثل لوريال وشركات صناعة السيارات مثل فولكس فاغن.

في السنوات السابقة كان عيد الحب الصيني فرصة رائعة للشركات الصينية والغربية لتسويق سلعها، لكن هذا تغير ولم يعد الرؤساء التنفيذيون العالميون قادرين على الاعتماد على الصين كقوة تجارية ثابتة.

صرح الرئيس التنفيذي لشركة لوريال، نيكولاس هيرونيموس، للمحللين أواخر الشهر الماضي «الجزء الوحيد من العالم حيث تظل ثقة المستهلك منخفضة للغاية هو الصين»، وأشار إلى ضعف سوق العمل ومشكلات العقارات كأسباب للوعكة، وأضاف أن النمو الأقل من المتوقع في قطاع التجميل العالمي هذا العام هو إلى حد كبير نتيجة لانخفاض ثقة المستهلك في الصين.

وقالت وكالة الإعلان WPP، الأسبوع الماضي، إن إيرادات الربع الثاني في الصين انخفضت بنحو الربع عن العام السابق، «والتوقعات ليست أفضل بكثير»، وأضافت المديرة المالية جوان ويلسون «أتوقع أن يظل النصف الثاني صعباً للغاية في الصين، وأتوقع أن تنخفض إيرادات العام بأكمله بنسبة من خانتين عشريتين».

وكانت فولكس فاغن ومرسيدس متشائمتين على نحو مماثل في تقييمهما للاقتصاد الصيني، حيث قال رئيس مجلس إدارة مجموعة مرسيدس بنز، أولا كالينيوس، للمحللين في 26 يوليو تموز «أعتقد أن الجميع يعلمون أنه منذ أن تجاوزنا قيود كوفيد في بداية العام الماضي لم تعد ثقة المستهلكين إلى طبيعتها، ولا نعرف كم من الوقت سيحتاج المستهلكون في الصين لاستعادة هذه الثقة».

معاناة الحكومة

يدمر هذا المزاج السيئ جهود الحكومة الصينية لتشجيع الزواج كوسيلة لمعالجة انخفاض معدلات المواليد والشيخوخة السكانية، ومن المرجح أن يكون انكماش السكان عبئاً على النمو الاقتصادي.

في يوم السبت عرضت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية مقطع فيديو يضم صوراً عائلية قديمة نادرة للزعيم الصيني شي جين بينج وزوجته بينج لي يوان وابنتهما الرضيعة، احتفالاً بزواجهما الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود، ولكن الرسالة فشلت في إقناع الشباب بمزايا الزواج، حيث اشتكى الناس على وسائل التواصل الاجتماعي من عدم قدرتهم على تكوين أسرة لأنهم مدينون بالمال أو مضطرون للعمل لساعات عمل طويلة.

ويظهر الوضع السيئ في بيانات التجارة، فوفقاً لبيانات الجمارك الرسمية، انخفضت واردات الماس المستخدم في صناعة المجوهرات في النصف الأول من هذا العام بنسبة 28 في المئة مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023.

ولم يكن عام 2023 عاماً جيداً لواردات الماس من الأساس.

وقال مورد الماس، دي بيرز، في تقريره نصف السنوي لعام 2024، إن «التحديات الاقتصادية المستمرة في الصين أخرت التعافي المتوقع من الانخفاض الحاد في عام 2023».

ووفقاً للبيانات التي أصدرتها إدارة الدولة للنقد الأجنبي يوم الجمعة الماضي، انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد بنحو 15 مليار دولار في الربع (من أبريل إلى يونيو)، وهذه هي المرة الثانية فقط التي يحدث فيها انخفاض كبير مثل هذا منذ عام 1998، ما يؤكد فشل البلاد في وقف تدفق رأس المال إلى الخارج.