قبل عقود، كانت الشوارع الرئيسية في أميركا تزدحم بالمتسوقين؛ إذ كانت المتاجر الصغيرة المملوكة للعائلات في صفوف على الجانبين، تعرض بضائعها من خلال نوافذ كبيرة، لكن في عام 1956، شهد التسوق تحولاً جذرياً مع ظهور نمط جديد من مراكز التسوق، محاكياً حركة الشوارع الرئيسية داخل مبانٍ كبيرة على شكل صناديق، خالية عمداً من النوافذ.
هذا التوجه نحو مراكز التسوق المغلقة بشّر بعصر التسوق «بدون نوافذ»، هذا التصميم كان مدروساً بعناية لخلق بيئة تشجع على الإنفاق، فالإضاءة الصناعية الساطعة تحاكي النهار، ما يجعل الزوار يقضون وقتاً أطول وينفقون أكثر، كما أن غياب النوافذ يزيد من مساحة العرض داخل المتاجر، حيث يتم استغلال الجدران لعرض المنتجات بدلاً من النوافذ التي قد تطل على مواقف السيارات غير المثيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يسهم غياب النوافذ في جعل المتسوقين يفقدون الإحساس بالوقت والظروف الجوية الخارجية، ما يعزز شعورهم بالراحة والاسترخاء، وبالتالي يزيد من احتمالية بقائهم لفترة أطول داخل المركز التجاري، يقول بيرت فليكنجر، خبير البيع بالتجزئة، إن هذه البيئة تخلق «استهلاكاً دون تشتيت الانتباه»، ما يدفع العائلات للإنفاق بحرية أكبر.
افتُتح أول مركز تسوق مغلق بالكامل، وهو مركز ساوثديل في مينيابوليس، في عام 1956، وكان هذا المركز الذي صممه المهندس المعماري النمساوي فيكتور جروين نموذجاً للمراكز التجارية المغلقة التي انتشرت في الضواحي الأميركية، جروين الذي أسس شركة Gruen Associates للهندسة المعمارية، كان يهدف إلى إبهار المتسوقين بمجرد دخولهم إلى المركز التجاري عبر تصميم داخلي مذهل يضم متاجر مضاءة جيداً، مقاهي، وأعمالاً فنية.
تصميم هذه المراكز تميز بوجود نوافير أو فتحات سقفية كأول نقاط دخول للضوء الطبيعي، مع إضافة النباتات والموسيقى لخلق تجربة حسية مميزة، وكانت المراكز تُبنى عادة على شكل حرف T أو صليب مع وجود متاجر رئيسية في الأركان، ما يوجه انتباه المتسوقين دائماً نحو المتاجر بدلاً من الخارج.
من الناحية العملية، بناء مراكز تسوق خالية من النوافذ كان اقتصادياً بشكل أكثر، فعدم وجود نوافذ متعددة يقلل من تكاليف التدفئة والتبريد، ما يجعل تشغيل المركز أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة، في الفترة التي بنيت فيها معظم مراكز التسوق، لم تكن النوافذ المزدوجة الموفرة للطاقة شائعة، ما يعني أن النوافذ كانت تسرب الهواء المكيف، وهو ما كان يزيد من تكاليف الطاقة.
تأثير تصميم المراكز التجارية انتقل إلى أنواع أخرى من المتاجر مثل السوبر ماركت، حيث يُفضل عدم وجود نوافذ للحفاظ على برودة المنتجات الطازجة.
اليوم، يوجد نحو 1122 مركز تسوق مغلقاً في الولايات المتحدة، أقل من نحو 1400 في السابق، بالرغم من تراجع عدد المراكز، لا تزال التصميمات القديمة تلقى قبولاً، خاصة بين الجيل Z وجيل الألفية، وفقاً لبيانات المجلس الدولي لمراكز التسوق، فإن 54% من المتسوقين البالغين في أمريكا زاروا مراكز التسوق مرة واحدة على الأقل شهرياً في عام 2023، بمتوسط إنفاق يزيد قليلاً على 300 دولار شهرياً.
مع تطور تجارة التجزئة، تتغير أيضاً وظيفة مراكز التسوق، أصبحت وجهات للترفيه بالإضافة إلى التسوق، ما قد يعيد التفكير في الحاجة إلى النوافذ لتناسب الاستخدامات الجديدة مثل المطاعم، دور السينما، ومراكز الترفيه.
(باريجا كافيلانز CNN)