الألعاب الأولمبية حدث عالمي ضخم يستقطب انتباه العالم بأسره، ولكن تكلفة استضافتها تمثل تحدياً كبيراً للمدن المضيفة، فكانت الألعاب الأولمبية الأخيرة في طوكيو 2020 مثالاً على تجاوز التكاليف المتوقعة بشكل كبير، حيث قفزت الميزانية الأولية من 7.3 مليار دولار إلى أكثر من 13.7 مليار دولار.

جائحة كورونا تسببت في تأجيل الألعاب وقتها، إضافة إلى تكاليف الإجراءات الصحية الإضافية.

وقبلها، عانت دورة ريو 2016 من كارثة مالية بميزانية تجاوزت 23.6 مليار دولار.

باريس 2024.. استراتيجيات لتقليل التكاليف

باريس، التي تستضيف الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2024، واجهت منافسة قليلة للحصول على حق الاستضافة بسبب التكاليف الباهظة للألعاب.

وحاولت باريس اعتماد استراتيجية لتقليل التكاليف من خلال استخدام المنشآت الرياضية الموجودة بالفعل وتجنب بناء منشآت جديدة غير ضرورية.

وتملك فرنسا بالفعل العديد من المنشآت الرياضية مثل «استاد دو فرانس» ومجمع «رولان غاروس» للتنس.

المشاريع الرئيسية الجديدة تشمل قرية الأولمبياد، ومركز الألعاب المائية، وصالة تتسع لثمانية آلاف مقعد، وكلها مصممة للاستخدام بعد الألعاب.

وقال إتيان ثوبوا، الرئيس التنفيذي للجنة تنظيم باريس 2024، «كانت الخطة منذ البداية هي توفير المال وعدم الاستثمار في أشياء غير مفيدة، الألعاب تتكيف مع المدينة وليس العكس».

واستغلت فرنسا معالمها الشهيرة، حيث ستقام مباريات الكرة الشاطئية بجانب برج إيفل، والمبارزات في القصر الكبير، ومسابقات الفروسية في حدائق فرساي.

التحديات الاقتصادية المتزايدة

رغم هذه الاستراتيجيات فإن التكاليف المتوقعة للألعاب الأولمبية في باريس 2024 تجاوزت الميزانية المبدئية بشكل كبير.

بلغت أحدث التقديرات لميزانية الألعاب الأولمبية والبارالمبية نحو 8.9 مليار يورو، ما يعادل نحو 9.7 مليار دولار.

ورغم أن هذه التكلفة أقل من تكاليف الألعاب السابقة في طوكيو وريو ولندن، فإنها لا تزال مرتفعة مقارنة بالميزانية الأولية التي كانت 6.8 مليار يورو.

ويرجع المسؤولون عن تنظيم الألعاب هذا الارتفاع في التكاليف إلى التضخم وتكاليف الأمن والموظفين؛ ففي ظل الظروف العالمية المتوترة نشرت فرنسا 45 ألفاً من الشرطة والجنود و50 ألفاً من المقاولين الخاصين لتأمين الألعاب في منطقة باريس، كما قدمت فرنسا مكافآت وحوافز أخرى لتجنب الإضرابات من قبل العمال العموميين.

المشاريع الإضافية وتكاليف البنية التحتية

بالإضافة إلى ميزانية الألعاب، هناك مشاريع أخرى لم تُدرج في الميزانية الأولمبية لكنها مرتبطة بالألعاب، مثل مشروع تنظيف نهر السين بتكلفة 1.4 مليار يورو، وتوسيع خط المترو 14 بتكلفة 3.5 مليار يورو… وقد صرح المسؤولون بأن هذه المشاريع كان مخططاً لها في الأساس وتم تضمينها في ميزانيات أخرى.

التأثير الاقتصادي والإرث المستدام

رغم التكاليف المتزايدة، يؤكد المسؤولون أن الألعاب لن تثقل كاهل دافعي الضرائب بديون طويلة الأمد؛ تشير التقديرات إلى أن المبلغ الذي سيأتي من الأموال العامة يبلغ نحو 3 مليارات يورو، وهو ما يمثل 0.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا.

وقد صرح رئيس هيئة التدقيق الوطنية في فرنسا بأن التكلفة على دافعي الضرائب لن تتضح بالكامل حتى بعد الألعاب وقد تتراوح بين 3 مليارات و5 مليارات يورو.

وأشار محلل وكالة «ستاندرد آند بورز»، هوغو سوبرييه، إلى أن الألعاب «لا ينبغي أن تؤثر بشكل كبير على المالية العامة الفرنسية»، رغم تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني بسبب مخاوف بشأن نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي.

الاستفادة من الإيرادات والتذاكر

تسهم اللجنة الأولمبية الدولية بمبلغ 1.2 مليار يورو للجنة تنظيم باريس، بالإضافة إلى ذلك تحقق باريس 2024 إيرادات من بيع التذاكر والترخيص والرعاة المحليين، بينما تحصل الحكومة الفرنسية على عائدات الضرائب من الفنادق وإنفاق السياح، وقد سجلت باريس رقماً قياسياً ببيع 8.6 مليون تذكرة.

التحديات السياحية والمجتمعية

رغم التوقعات الإيجابية، هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن السياحة قد لا تحقق التوقعات؛ أبلغت شركة «إير فرانس-كي إل إم» عن انخفاض في حركة المرور الجوية بسبب تجنب المسافرين للزحام الأولمبي والأسعار المرتفعة في باريس.

واشتكت المتاجر والمطاعم القريبة من مواقع الألعاب التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة من تراجع في الأعمال التجارية.

ومع ذلك، يصر المسؤولون في باريس على أن الألعاب ستوفر فوائد للمجتمعات المحلية، خاصة في المناطق المهمشة، على الرغم من الانتقادات التي تواجههم بسبب إخلاء المهاجرين والمشردين قبل الألعاب.

تعد استضافة الألعاب الأولمبية تحدياً كبيراً لأي مدينة، وباريس ليست استثناء؛ تسعى باريس لتحقيق توازن بين التكاليف والفوائد، مع التركيز على تحقيق إرث مستدام طويل الأمد.

وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن نجاح باريس في تحقيق رؤيتها يمكن أن يقدم نموذجاً جديداً لاستضافة الألعاب الأولمبية في المستقبل، يوازن بين التكاليف والفوائد ويعزز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للمدينة والمجتمع بأسره.