في تطور تشريعي يعكس توجه المملكة نحو رفع مستوى التحرير الاقتصادي لديها وتطوير بيئة الأعمال، وافق مجلس الوزراء السعودي مؤخراً على نظام تملك غير السعوديين للعقار، في خطوة تُعد امتداداً لجهود تطوير التشريعات المنظمة للأسواق المالية التي تستهدفها المملكة في جميع قطاعاتها، وتحديداً بعد صدور نظام الاستثمار المحدث في أغسطس الماضي، والذي استهدف تقليص الفجوة بين المستثمر المحلي والأجنبي، ما يرفع جاذبية السوق السعودي وتعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي.
قريباً يتوقع الإعلان عن بقية تفاصيل ولوائح النظام الجديد، إلا أن مما يظهر يبدو أنه يركز على إلغاء عدد من القيود على تملك العقار للأجانب لمن لم يكن مؤهلاً للتملك سابقاً وتسهيل ملكية المؤهلين منهم عن طريق نظام واضح غير قائم على الاستثناء، ويستوعب فيه النطاق الجغرافي الذي يجوز فيه تملُّك غير السعودي، ما يقدم دعوة مفتوحة للمشاركة الفعالة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في السوق السعودي ويستبدل كلمة "Welcome" بعبارة "Fully welcome to Saudi".
بينما تختلف منهجية الأنظمة المتعلقة بالملكية الأجنبية للعقار على مستوى دول العالم، إلا أنها تتقارب بشكل كبير في دول مجموعة العشرين على سبيل المثال، وعلى رأسها الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي هي الأقل قيوداً وتسمح بملكية الأجانب بشكل مباشر، فيما تسمح بعض الدول مثل أستراليا بهذا التملك وتضع قيوداً على نوعية العقار (تسمح ملكية الأجانب للوحدات الجديدة فقط وليس الوحدات القائمة) بهدف ضبط التضخم العقاري لمواطنيها وتحفيز نمو المعروض، وعلى الرغم من وجود هذه القيود فإن مشتريات الأجانب من العقارات السكنية في أستراليا بلغت ما يقارب 18.38 مليار ريال خلال عام واحد فقط 2022-2023 بارتفاع 26% على السنة السابقة، أما الصين وهي من الدول المعروفة بنهج متشدد سابقاً فتتخذ نهجاً أقل تشدداً مؤخراً أيضاً، إذ حددت الملكية السكنية المسموح بشرائها بوحدة واحدة فقط دون حرية التصرف الكاملة كالتأجير، وهي أيضاً ترى بوضع هذه السياسات الخاصة بها حلاً يوائم هيكلها الاقتصادي وثقافتها الاجتماعية.
في السوق العقاري السعودي، جاءت موافقة مجلس الوزراء متزامنة مع تشريعات عقارية صدرت أواخر رمضان الماضي تهدف إلى وضع حلول مناسبة للحالة السعودية، خاصة مع تنامي الحاجة إلى نمو المعروض العقاري كماً ونوعاً، فالمنافسة التي سيخلقها المتملك الأجنبي كمستثمر تستهدف رفع المنافسة وتوفر حلولاً وخيارات أكثر، تنعكس على المستهلك وتسهم بتنمية القطاع، وفي الوقت نفسه، ولمعالجة أي آثار سلبية بشكل استباقي كارتفاع مستوى أسعار العقارات نتيجة دخول عنصر الطلب الأجنبي أو شح المعروض بالوحدات العقارية، تم الإعلان عن تشريعات من شأنها ضبط السوق وتفادي الآثار السلبية المحتملة للطلب الإضافي وبما يتناسب مع حالة السوق السعودي، شملت هذه التشريعات زيادة المعروض العقاري عن طريق رفع الإيقاف عن التصرف في عدد كبير من الصكوك العقارية في مدينة الرياض، بالإضافة إلى تطوير نظام رسوم الأراضي البيضاء، ما يمنع تعطيل العقارات عن الاستخدام أو التطوير، وضبط العلاقة التعاقدية في تأجير العقار من خلال نظام يتم العمل عليه حالياً، وكذلك عن طريق استحداث برامج دعم سكنية نوعية، ولعل آخرها برنامجاً يتوقع أن يوفر عدداً من الأراضي ذات تكلفة متوسطة لما يصل إلى 200 ألف مواطن في الرياض خلال خمس سنوات.
هذه الحزمة التشريعية والتنظيمية تعكس رؤية واضحة تسعى لتحقيق التوازن بين جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز جانب العرض لمواطنيها ومقيميها ممن يسهمون في تنمية الاقتصاد ويرفعون الابتكارات فيه، بالإضافة إلى خلق فرص يستفيد منها المطورون العقاريون وعلى رأسهم المطور العقاري السعودي الذي أتيحت له فرصة لتنويع قاعدة العملاء لديه، ورفع جانب الطلب، ما يرفع من جدوى الأعمال على المدى الطويل في القطاع العقاري، ولعل هذا القرار أتى لينهي فيها مفارقة قائمة، كيف نجذب الثروات الأجنبية دون أن نتيح لأصحابها حق التملك؟!
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.