ما زالت ليبيا التي تعاني ويلات الانقسام بعد أن تجرعت مرارة الحروب لسنوات، تتعافى من الإعصار دانيال وما خلفه وراءه من فيضانات مدمرة في سبتمبر أيلول، فيما لا تزال المخاوف الأمنية حجر عثرة على طريق التعافي الذي يتطلب 1.8 مليار دولار، بحسب تقرير حديث صادر عن البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وضرب الإعصار دانيال شمال شرق ليبيا في الخامس من سبتمبر أيلول، واجتاح مناطق ساحلية عدة مثل بنغازي وسوسة المرج والبيضاء وشحات ودرنة، وكانت درنة هي الأكثر تضرراً، حيث دمر الإعصار مساحات شاسعة من المدينة وهدم أكبر سدين فيها، وهما سد البلاد وسد بومنصور، مما أدى إلى فيضانات مدمرة جرفت أحياء بأكملها وأودت بحياة ما يربو على 4 آلاف شخص.
أضرار الكارثة في ليبيا
تضرر ما يقرب من 1.5 مليون ليبي، أي 22 بالمئة من سكان ليبيا، وأفاد التقرير بأن 4352 شخصاً لقوا حتفهم في الكارثة، ولا يزال هناك ثمانية آلاف شخص في عداد المفقودين.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن أكبر الخسائر الناجمة عن الإعصار لحقت بقطاعات الإسكان والبيئة والتراث الثقافي الليبي فضلاً عن قطاعي النقل والمياه، وتضررت المساكن بشدة إذ دمر أو تضرر ما يقدر بأكثر من 18 ألفاً و500 منزل، ما يعادل سبعة في المئة من مخزون المساكن في ليبيا.
وتشير التقديرات إلى أن الأضرار المادية والخسائر الناجمة عن الفيضانات في درنة ومدن أخرى بسبب الإعصار دانيال بلغت 1.65 مليار دولار، ما يعادل نحو 3.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لليبيا الغنية بالنفط في 2022.
وقال سلامة الغويل، وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية في ليبيا، لـ«CNN الاقتصادية» إن «ليبيا بأكملها تحتاج إلى 100 مليار دولار لجهود إعادة الإعمار خلال الخمس سنوات المقبلة، بمعدل 20 مليار دولار سنوياً»، وإن إعادة إعمار المناطق التي تضررت من الفيضانات في ليبيا، وتشمل مدينة درنة وما حولها، ستتكلف أكثر من مليار دولار بسبب تدهور البنية التحتية في تلك المدن بالكامل.
وقدرت مصلحة الطرق والجسور بوزارة المواصلات الليبية نسبة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في المناطق المنكوبة شرق البلاد بنحو 70 في المئة.
وكان مجلس النواب الليبي قد أقر ميزانية طوارئ بقيمة عشرة مليارات دينار ليبي (ملياري دولار)، لمواجهة آثار الفيضانات وإعادة تأهيل المدن المنكوبة.
وبحسب تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات الناجمة عن العاصفة والفيضانات في ليبيا لعام 2023، الذي نشره البنك الدولي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، فقد تسبب الإعصار في أضرار كبيرة وخسائر فادحة، وكان قطاع الإسكان هو الأكثر تضرراً، حيث بلغ حجم الخسائر فيه 362 مليون دولار، وهو ما يعادل 35 في المئة من إجمالي الأضرار المقدرة.
الأمن يعرقل جهود إعادة الإعمار
وأشار وزير الاقتصاد الليبي السابق إلى أن بلاده تعتمد بشكل رئيسي على شركات المقاولات المصرية في مشروعات إعادة الإعمار.
وفي مطلع يناير كانون الثاني 2024، وقعت مصر وليبيا عقداً لبناء عدد من الجسور والكباري بمدينة درنة، على أن تتولى شركة المقاولون العرب تنفيذها، لكن الشركات المصرية تواجه عدة تحديات تحول دون قدرتها على المشاركة في إعادة إعمار ليبيا، حسب ما أكده هشام يسري الأمين العام لاتحاد المقاولين المصريين.
وقال يسري، إن المخاوف الأمنية تمثل العائق الأكبر أمام جهود شركات المقاولات المصرية في إعادة إعمار المناطق المنكوبة في ليبيا، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه الشركات في تحويل أرباحها من الخارج.
وليبيا منقسمة منذ عام 2014 بين مراكز قوى متنافسة تحكم في شرق البلاد وغربها رغم وقف إطلاق نار جرى التوصل إليه في 2020، وأدت الخلافات بين حكومة طرابلس والسلطات التي تتخذ من الشرق مقراً لها إلى تعقيد جهود التعامل مع الكارثة.
مساعدات خارجية
وعلى خلفية تداعيات الكارثة المدمرة، أرسلت دول عديدة مساعدات إغاثية بملايين الدولارات إلى ليبيا، إذ توجهت الأمم المتحدة بنداء عاجل لجمع مبلغ 71.4 مليون دولار، كما خصصت مبلغاً قدره عشرة ملايين دولار من صندوق الأمم المتحدة المركزي للإغاثة في حالات الطوارئ للمتضررين من الفيضانات.
وقدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً إنسانياً بقيمة 5.6 مليون دولار من أجل إغاثة المتضررين، وساهمت بريطانيا بمبلغ 1.2 مليون دولار، وأرسلت ألمانيا 30 طناً من المواد الإغاثية كالخيام والأغطية والأسرة، كما أرسلت السعودية 90 طناً من المواد الإغاثية والغذائية، وشاركت منظمة الصحة العالمية بإرسال 29 طناً من الإمدادات الطبية.
وأرسلت تركيا ثلاثة مستشفيات ميدانية مجهزة بطاقم من 360 فرداً من الفرق الطبية، والمواد الغذائية والإغاثية كالملاجئ والخيام.
وتسببت الفيضانات في نزوح نحو 44 ألفاً و800 شخص، بما في ذلك 16 ألف طفل، وتدهورت إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وتفاقم انعدام الأمن الغذائي في المناطق المتضررة.
(شاركت في التغطية زينة الضاحي)