«اشترِ بيتك هنا بـ170 ألف دولار».. بهذه الجملة المنطوقة بالعامية المصرية حاول أحد الأشخاص -الذي ظهر بصوته فقط في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي- الترويج لتجمع سكني حديث في منطقة القاهرة الجديدة بالعاصمة المصرية.
ورغم اختفاء المقطع بعد فترة وجيزة بعد أن أعرب الكثير من المتابعين عن غضبهم من استخدام الدولار للدفع داخل مصر، فإنه أثار القلق حول بداية تشكل اتجاه نحو استخدام الدولار لسداد المدفوعات داخل البلاد، خاصة مع رصد وقائع مشابهة في مناطق متفرقة، وهو ما يجرِّمه القانون المصري.
وقائع مشابهة وجريمة تصل عقوبتها إلى السجن
يوسف -رب أسرة ثلاثيني يحاول شراء شقة للانتقال إليها مع أسرته الصغيرة- تعرض لموقف مشابه منذ نحو أسبوع، وقال يوسف، الذي قدم نفسه باسم مستعار كسائر الواردة أسماؤهم في هذا التقرير «تواصلت مع ملاك ثلاث وحدات سكنية، الأول قرر رفع السعر بما يقارب 30 المئة في صباح اليوم التالي، أما الآخران فأصرا على دفع القيمة بالدولار، وأنا أرفض الشراء في مثل هذه الظروف على الرغم من أهمية الانتقال إلى سكن جديد».
أما نادين، التي تعمل وسيطة عقارات في منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة، فتقوم بنحو 50 اتصالاً يومياً في محاولة لإقناع ملاك الوحدات السكنية ببيع وحداتهم كي تحصل على عمولة الوساطة التي تصل في مصر إلى 2.5 في المئة من إجمالي مبلغ العقد، وعند رفض أصحاب العقارات صفقة البيع بسبب عدم استقرار السوق، تحاول نادين إقناعهم بأنها ستسعى جاهدة لإيجاد عملاء يمكنهم شراء الوحدات بالدولار، وبالفعل نجحت الشركة التي تعمل بها نادين في بيع عقار واحد فقط بالدولار الأميركي.
رغم ذلك، أكدت نادين أن «شرط تنفيذ البيع بالعملة الأجنبية هو قرار أقلية فقط من ملاك الوحدات الذين تمثلهم الشركة»، ما يعني أن ظاهرة التعامل بالدولار لا تزال في بداياتها ولم تتفشَ على نطاق واسع.
ويعد التعامل بالنقد الأجنبي خارج البنوك الرسمية في مصر فعلاً مُجرماً بحسب قوانين البنك المركزي المصري، فعقوبته لا تقل عن الحبس ثلاث سنوات فضلاً عن توقيع غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين جنيه أو المبلغ المستخدم في المعاملة غير المشروعة، أيهما أكبر.
وتم تبني هذا القانون لمكافحة الدولرة، أي استخدام الدولار الأميركي كعملة موازية للجنيه داخل السوق المصرية.
صعوبة التسعير بالجنيه واللاجئون السودانيون
تشهد السوق المصرية أزمة كبيرة في أسعار جميع السلع، وليس العقارات فحسب، بسبب التغير السريع في سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية.
وبدأت السوق الموازية فرض نفسها في مصر منذ أغسطس آب عام 2022، وكان الفارق بين السعرين الرسمي والموازي حينها لا يتجاوز جنيهات قليلة، لكن الدولار واصل القفز في السوق غير الرسمية منذ ذلك الحين ليصل إلى 72 جنيهاً في نهاية يناير كانون الثاني من العام الحالي، بينما ظل سعر الصرف الرسمي قابعاً عند أقل من 31 جنيهاً.
وتعقيباً على ظاهرة تثمين العقارات بالدولار، قال خالد جاد خبير التقييم العقاري المصري في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، إن هذه الظاهرة «بدأت في الربع الأخير من العام الماضي، وإن كانت الغالبية العظمى تلجأ لتقييم ثمن الوحدات بالدولار ثم دفع المبلغ بالجنيه المصري بسبب صعوبة تحديد السعر بالعملة المحلية، ما تسبب في حالة من انعدام اليقين، فضلاً عن التذبذب المستمر الذي تشهده أسعار مواد البناء في مصر، إذ إن طن حديد التسليح يتخطى 50 ألف جنيه».
وبدأ بعض كبار المطورين العقاريين في مصر بتسعير وحداتهم بالدولار، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتذبذب سعر صرف الجنيه الذي شهد بين مارس آذار 2022 وفبراير شباط 2023 ثلاث موجات من التخفيض، فقد خلالها أكثر من 60 في المئة من قيمته بحسب السعر الرسمي؛ وهذا التذبذب يكبد المطورين خسائر كبيرة.
من جهة أخرى، يرى البعض أن ازدياد عدد اللاجئين السودانيين في مصر وحاجتهم إلى سكن دائم شجّع أيضاً على استخدام الدولار كعملة تثمين أكثر استقراراً بما يلبي احتياجات الطرفين.
صعوبة توفير الدولار أحد الأسباب
بالإضافة للتغير السريع في سعر الدولار في السوق الموازية، تمثل صعوبة توفير العملة الأجنبية عقبة أخرى أمام بعض فئات الملاك الراغبين في شراء عقارات بديلة في الخارج، وهي حلقة شائكة تواجه بعض الملاك.
نعيم -أستاذ جامعي بإحدى الجامعات في ولاية كاليفورنيا الأميركية- يحاول بيع فيلا قام بشرائها قبل خمس سنوات في تجمع سكني في مدينة السادس من أكتوبر إلى الغرب من العاصمة المصرية، لكنه يصر على البيع بالعملة الأجنبية حتى لا يتعرض للخسارة.
فعلى حد وصفه، قال نعيم «لقد قمت بادخار المبلغ الذي دفعته وقت الشراء بفضل عملي في الولايات المتحدة، وكان وقتها يساوي قرضاً بنحو 6 ملايين جنيه، ما يوازي أكثر من 400 ألف دولار حينذاك، وإذا قمت ببيع العقار بـ18 مليون جنيه فهذا يعني أنني خسرت ما يقرب من 130 ألف دولار، وإذا استلمت المبلغ بالجنيه المصري فلن أستطيع شراء دولار من مصر».
ولم يحدد نعيم ما إذا كان يحمل الجنسية الأميركية أم لا، لكنه أوضح أنه يرغب في إرسال الأموال إلى الولايات المتحدة بغرض تسديد «دفعة تعاقد لشراء منزل جديد في مدينة لوس أنجلوس»، حيث يتيح البنك المركزي المصري لكل مواطن تحويل 100 ألف دولار إلى خارج البلاد في العام الواحد.
وفي ظل الشح الكبير الذي تشهده الموارد الدولارية في مصر، اضطرت البنوك للتوقف عن بيع النقد الأجنبي للأفراد منذ نحو عامين، كما تواجه البنوك صعوبة في توفير السيولة الدولارية المطلوبة للمستوردين، وبحسب البنك المركزي، بلغ العجز في صافي الأصول الأجنبية في ديسمبر كانون الأول الماضي ما يوازي 841 مليار جنيه، وهو مستوى غير مسبوق.
بين عقار لوس أنجلوس الذي يطمح الأستاذ الجامعي لاقتنائه، والشقة التي يبحث عنها يوسف لتغيير المسكن المُؤجر بآخر أكثر استقراراً، والعمولة التي تسعى نادين للحصول عليها، تبقى معضلة الدولار الأميركي وصعوبة التسعير بالعملة المحلية حاجزاً يجمّد المشاريع المستقبلية للكثيرين في مصر.