في الثمانينيات، بدأ نوع جديد من سلاسل البيع بالتجزئة، المتخصصة في بيع نوع معين من المنتجات والسلع، في الظهور.
وجاءت البداية قوية للنموذج الجديد من متاجر البيع بالتجزئة، الذي يهدف إلى منح المتسوقين إمكانية الوصول إلى تشكيلة متنوعة لأي منتج يمكن تخيله، كل ذلك في مكان واحد وبأسعار مخفضة.
بدأت تلك المتاجر في الانتشار، بمساحة تقل عادة عن 50 ألف قدم مربعة، أي أكبر من المتاجر المستقلة، ولكنها أصغر من متاجر «وول مارت» الكبرى، وانتشرت في مراكز التسوق الأميركية، وقابلها المتسوقون بحفاوة.
قال ميت رومني الشريك العام الإداري لشركة «باين آند كو»، في عام 1989، إن متاجر «ستابلس» هي مثال كلاسيكي لسلاسل التجزئة المتخصصة التي تستهدف القضاء على المتاجر المحلية، وهي سلسلة متاجر تشبه «تويز آر أص».
وانتشرت هذه الشركات، إضافة لمتاجر «راديو شاك»، «بلوك باستر» و«بارنز آند نوبل» وغيرها، بداية من 2010، لتعيد صياغة طريقة تسوق الأميركيين.
ولكن عصر هيمنة «المتاجر المتخصصة» قد ولى.
ففي حين أُغلقت كل من «تويز آر أص» و«راديو شاك» و«بلوك باستر»، لا تزال «ستابلس» و«بارنز آند نوبل» تعمل إلى الآن، ولكنها متعثرة إلى حدٍ كبير، واضطرت لإغلاق المئات من فروعها.
ومع تقديم « بيد باث آند بيوند» طلباً للإفلاس، تسقط سلسلة متاجر متخصصة جديدة هذا الأسبوع.
وبعد أن اعتمد عليها المتسوق الأميركي لشراء كل مستلزمات منزله، أفلست «بيد باث آند بيوند» بسبب تغير سلوك التسوق والمنافسة والعثرات التي خلقتها بنفسها، إضافة إلى أنها كانت تمثل مفهوماً للبيع بالتجزئة لا يناسب العصر الحالي.
قال زي جون تشانغ، أستاذ التسويق في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا «كان هذا النموذج مثيراً وجديداً وقتها، فإن كنت من محبي تلك الفئة، فتجربة التسوق تصبح كطفل يسير في متجر الحلوى، ولكن هذا النموذج أصبح زائلاً».
كيف تطورت «المتاجر المتخصصة»؟
خلال ذروة تلك المتاجر، كان السلوك الاستهلاكي يركز على تجميع أكبر عدد ممكن من السلع، بغض النظر عن كيفية صنع هذه المنتجات أو تأثيرها على البيئة.
ولشرائها بكميات هائلة، كان تجار التجزئة يطلبون تلك السلع بأسعار أقل من الموردين، وبالتالي تقليل منافسيهم.
ومن خلال تفرد تلك المتاجر بنوع واحد من السلع، تصبح رائدةً في بيعها، ولهذا تراهن الشركات على أن العملاء سيلجؤون إليها متى احتاجوا، على سبيل المثال ألعاب جديدة لأطفالهم أو ملاءات الأسرّة.
أدت العديد من العوامل لتمكين مفهوم «المتاجر المتخصصة»، مثل وجود سلاسل التوريد العالمية، وانخفاض تكلفة شحن إلى الخارج، وانخفاض تكاليف الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر، ما أتاح للشركات أن تكلف المصنعين حول العالم لإنتاج السلع ومراقبة العرض في الوقت الفعلي.
قال مارك ليفيسون الاقتصادي والمؤرخ إن «اعتماد الأساليب الحديثة في سلاسل التوريد هو الدافع الأساسي وراء نجاح المتاجر المتخصصة، إذ أصبح ممكناً أن تتواصل من المورد في الصين من مكتب في نيويورك».
ولهذا، تميزت الشركات الكبرى ذات القدرة على الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة وأنظمة البرمجيات على نظيرتها من المتاجر المحلية.
كما شهدت الثمانينيات أيضاً موجة من إفلاس المتاجر الكبرى وعمليات الاستحواذ الممولة بالديون، ومعظم تجار التجزئة التقليديين كانوا يسبحون في الديون، ولهذا كان من السهل على المتاجر المتخصصة أن تهيمن على القطاع، ومن بينها «بيد باث آند بيوند».
تأسس «بيد باث آند بيوند» عام 1971 باسم «بيد آن باث» كمتجر صغير لمفارش الأسرّة ومستلزمات الحمّامات، وغيرت الشركة اسمها إلى «بيد باث آند بيوند» في عام 1987 لتعكس التنوع الجديد في سلعها، لتبني فروعاً ضخمة، واستخدمت الشركة قسائم الشراء والتنزيلات لجذب المتسوقين.
قال لين فينشتاين المؤسس المشارك في عام 1993، إنه بعد عام من افتتاح 38 متجراً وتحقيق نحو 200 مليون دولار مبيعات «لقد شهدنا تغييرات كبيرة، وأدركنا أن المتاجر المتخصصة ستكون هي الموجة التالية من البيع بالتجزئة».
بحلول عام 2000، قفز عدد الفروع إلى 241 متجراً و1.1 مليار دولار مبيعات سنوية، ومع نمو الشركة اختفت متاجر مستلزمات المنزل المحلية شيئاً فشيئاً.
انتهاء عصر هيمنة متاجر التجزئة المتخصصة
في عام 2011 توقع اثنان من أساتذة كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد أن التسوق عبر الإنترنت سيؤدي إلى انهيار متاجر التجزئة المتخصصة، وهو ما حدث بالفعل.
يمكن لشركة «أمازون» أن تجمع تشكيلة متنوعة لا حصر لها لأي منتج يمكن تخيله في سوقها عبر الإنترنت، وهو الأمر الوحيد الذي كانت تتفوق وتتميز به متاجر التجزئة المتخصصة.
وعلى عكس «بيد باث آند بيوند» والسلاسل الأخرى، لا تضطر «أمازون» لتخزين منتجاتها في مستودعات، وهي نفقات باهظة الثمن، إذ -بكل بساطة- ما تقوم به الشركة هو ربط المشترين والبائعين، وتتقاضى رسوماً على المبيعات.
مؤخراً، تضررت متاجر التجزئة المتخصصة بشدة بسبب تراجع المستهلكين عن الإنفاق بسبب التضخم.
ولكن، لا يزال هناك عدد قليل من متاجر التجزئة المتخصصة الناجحة مثل «هوم ديبوت» و«لوييس» لتحسين المنزل، وفي السلع والمعدات الرياضية «ديكس»، وسلسلة «بيست باي» للإلكترونيات. إذ يفضل العديد من مستهلكي هذه الفئات رؤية المنتجات وتجربتها قبل الشراء.
(ناثانيال مايرسون- CNN)