حوار مقطوع ورسوم متصاعدة.. من بنما إلى تيك توك حرب الصين وترامب تشتعل

فشل التواصل بين بكين وواشنطن يدفع بالصراع التجاري إلى منعطف خطير (شترستوك)
ترامب والصين
فشل التواصل بين بكين وواشنطن يدفع بالصراع التجاري إلى منعطف خطير (شترستوك)

في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، كانت الصين تسعى لفهم نهج الإدارة الجديدة، فأرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ مبعوثاً رفيعاً لحضور تنصيب ترامب، في إشارة إلى رغبة واضحة في فتح حوار.

لكن تلك البوادر لم تلقَ صدى في واشنطن، إذ فشلت كل محاولات بكين في الوصول إلى فريق ترامب، بما في ذلك جهود وزير الخارجية وانغ يي للقاء مستشار الأمن القومي، ومحاولات وزير التجارة وانغ وينتاو للتواصل مع المسؤولين الأميركيين، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

التصعيد يبدأ والرد الصيني يتأخر

رغم التهديدات خلال الحملة الانتخابية، تجنب ترامب ذكر الصين بشكل مباشر في خطاب تنصيبه، ما أشاع ارتياحاً نسبياً في بكين.

لكن الهدوء لم يدم طويلاً، ففي غضون أسابيع فرضت واشنطن رسوماً تصاعدية بلغت 10 في المئة ثم 34 في المئة إضافية على السلع الصينية، ما رفع إجمالي الرسوم على الواردات من الصين إلى 76 في المئة، بحسب معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

حينها، ردت بكين للمرة الأولى برسوم مقابلة بنسبة 34 في المئة، شاملة لجميع السلع الأميركية دون استثناء، وفرضت قيوداً على تصدير المعادن النادرة، واستهدفت شركات أميركية مثل «DuPont» بتحقيقات احتكارية.

وبعكس ما كان في عهد ترامب الأول، حين استطاع السفير الصيني السابق لدى واشنطن بناء قناة تواصل مع جاريد كوشنر، فإن الإدارة الجديدة لترامب ترفض أي تواصل مباشر مع المسؤولين الصينيين الحاليين، حتى محاولات الصين للتقرب من إيلون ماسك باءت بالفشل.

التقاليد السياسية الصارمة في بكين، ورفضها التفاوض عبر أشخاص غير رسميين، أسهمت في غياب أي قنوات خلفية، ما جعل الطرفين يقفان على حافة مواجهة مفتوحة دون خطوط اتصال واضحة.

الصين تحاول استعادة زمام المبادرة.. ولكن بحذر

فوجئ المسؤولون في بكين بحدة الرسوم الجديدة، ما أثار تساؤلات بشأن  قدرة الحكومة الصينية على الاستجابة بشكل فعال.

وقال خبراء اقتصاديون في بكين إن ما حدث يعادل إعلان «فك الارتباط الاستراتيجي» مع الولايات المتحدة، وهو ما يزيد من صعوبة بدء أي مفاوضات في ظل الضغط الأقصى.

وفي محاولة لاستعادة السيطرة، كثفت بكين إجراءاتها الداخلية، من مراجعة صفقات أميركية مثل استحواذ بلاك روك على موانئ في بنما، إلى تشديد مواقفها بشأن تطبيق «تيك توك»، ورفض أي صفقة تنزع السيطرة الصينية على خوارزميته.

ترامب يتحرك بثقة.. وبكين في موقع رد الفعل

يصف الخبراء المشهد الحالي بأنه «مفارقة الضغط والكبرياء»؛ ترامب يعتمد مزيجاً من الضغط الأقصى والتقلب الدبلوماسي، إذ يفرض العقوبات ثم يلوح بالجلوس على الطاولة، بينما يعتمد شي على الانضباط، ولا يرغب في الظهور بمظهر الطرف الأضعف.

قال كريغ سينغلتون من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «إذا تحرك شي مبكراً، فسيبدو ضعيفاً أمام شعبه والعالم».

ورغم أن ترامب أشار إلى إمكانية عقد لقاء مع شي في المستقبل القريب، فإن المؤشرات المقبلة من بكين تؤكد أن زيارة شي إلى الولايات المتحدة غير مطروحة حالياً.

الأسواق تهتز.. والصادرات الصينية مهددة بالانخفاض للنصف

توقعت مؤسسة منتدى الصين المالي الأربعين أن تنخفض صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بأكثر من 50 في المئة، وهو ما سيؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، ويفرض تحديات كبيرة على الاقتصاد الصيني.

لكن بكين تراهن كذلك على أن تصعيد ترامب قد يؤدي إلى عزلة أميركية، خصوصاً بعد فرضه رسوماً على حلفائه التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا.

ومع تراجع الأسواق الأميركية منذ بداية العام، بدأ بعض المحللين الصينيين يرددون مقولة شي الشهيرة «الشرق يصعد، والغرب يتراجع»، مشيرين إلى ارتفاع مؤشرات البورصة الصينية مقابل تراجع وول ستريت.

هل تخسر الصين أوراق الضغط؟

إحدى أبرز المفاجآت كان إعلان شركة «سي كاي هاتشيسون» عن بيع موانئها في بنما لمجموعة أميركية بقيادة «بلاك روك»، دون أن تحرك بكين ساكناً، ورأى محللون أن هذه خسارة ورقة تفاوضية مهمة كانت الصين تعتقد أنها ستستخدمها لاحقاً.

في المقابل، تبذل بكين جهداً مضاعفاً في ملف «تيك توك»، وترفض بشكل قاطع أي صفقة تُجردها من خوارزمية التحكم بالمحتوى، وتصف مثل هذه الخطوات بأنها «سرقة تجارية».

ورغم الغضب، لا تزال بكين تتجنب المواجهة المباشرة الكاملة، على أمل أن تعيد واشنطن النظر في سياساتها.

لكن في ظل غياب الحوار الرسمي أو الخلفي، تبقى العلاقة بين القوتين الأكبر في العالم رهينة للمفاجآت والقرارات الأحادية، وفي الوقت الحالي، كما يقول أحد الخبراء الأميركيين، «من يقود العلاقة؟ بالتأكيد ليس بكين».