رغم هدنة مدتها 90 يوماً في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، يبدو أن الصين تُحكم قبضتها على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة، مُحافظةً بذلك على مصدر رئيسي للضغط في المفاوضات المستقبلية وسط تنافس استراتيجي مُتصاعد مع واشنطن.
كجزء من الاتفاق الذي عُقد الأسبوع الماضي في جنيف لوقف الرسوم الجمركية مؤقتاً، تعهدت الصين بتعليق أو إزالة التدابير المضادة «غير الجمركية» التي فرضتها على الولايات المتحدة منذ 2 أبريل.
وقد دفع هذا الشركات إلى البحث مُجدّداً عن مدى انطباق هذا التعهد على ضوابط التصدير الصينية لسبعة معادن أرضية نادرة ومنتجات مُرتبطة بها، والتي فُرضت في 4 أبريل كجزء من ردها على الرسوم الجمركية «المُتبادلة» التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على السلع الصينية.
تُعدّ المغانط المصنوعة من هذه المعادن الأرضية الثقيلة النادرة، التي تهيمن الصين على إمداداتها، جزءاً أساسياً من أجهزة آيفون والسيارات الكهربائية وصولاً إلى الطائرات F35 المقاتلة وأنظمة الصواريخ.
وتُمثل الصين 61 في المئة من الإنتاج العالمي من معادن الأرض النادرة المُستخرجة، لكن سيطرتها على مرحلة المعالجة أعلى بكثير، إذ تسيطر على 92 في المئة من الإنتاج العالمي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
بعد عودته من محادثات التجارة في جنيف الأسبوع الماضي، سعى الممثل التجاري الأميركي، جيمسون غرير، إلى تهدئة المخاوف المحيطة بالصراع مع الصين، وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز، أجاب بالإيجاب عندما سُئل عما إذا كانت الصين قد وافقت على رفع قيودها على تصدير المعادن النادرة كجزء من الهدنة.
قال غرير «نعم، لقد وافقت الصين على إلغاء تلك الإجراءات المضادة، إذا لم يفعلوا فسنعود إلى حالة الخلاف، لكنني أتوقع أنهم سيزيلون العوائق».
مع ذلك لا توجد دلائل تُشير إلى أن الصين بصدد إزالة نظام الرقابة على تصدير المعادن النادرة الذي فرضته مؤخراً، بل على العكس ووفقاً لخبراء ومطلعين على الصناعة يبدو أن السلطات الصينية تُعزز التنفيذ وتُكثف الرقابة.
لا يحظر النظام، الذي طُبق في أبريل نيسان، الصادرات بشكل قاطع، ولكنه يتطلب موافقة حكومية على كل شحنة.
وقد تسبب هذا النظام في تأخيرات استمرت لأسابيع، ما أثار مخاوف مجموعة واسعة من الصناعات الأميركية، من السيارات إلى الصناعات الدفاعية.
قال جون هيكاوي، رئيس شركة ستورمكرو كابيتال للاستشارات الصناعية ومقرها تورنتو «لن أُفاجأ إن وجدتُ أن السيد غرير يُعبّر عمّا يأمل في حدوثه، وليس ما تمّ التفاوض عليه بالفعل».
وقالت غريسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن نظام تراخيص التصدير الصيني «سيبقى» و«قد يستمر لفترة طويلة»، ما يسمح لبكين بالاحتفاظ بنفوذها في محادثات التجارة المستقبلية مع الولايات المتحدة.
وأضافت أنه إذا تراجعت الولايات المتحدة عن اتفاقاتها المتعلقة بإلغاء التعريفات الجمركية، يُمكن للصين بسهولة حجب التراخيص المطلوبة، مُضيفةً أن سياسة التراخيص تمنح بكين سلطة تحديد الشركات أو الدول التي يُمكنها الوصول إلى معادنها الأرضية النادرة ومغانطها في أي وقت.
عقب محادثات جنيف، أزالت وزارة التجارة الصينية 28 شركة أميركية من قائمة مراقبة الصادرات، و17 شركة أميركية من قائمة أخرى لتقييد التجارة والاستثمار، إلا أن بكين لم تقم بأي تغييرات في ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة والمغانط.
صرحت متحدثة باسم وزارة تجارة الصينية، في مؤتمر صحفي دوري عُقد يوم الجمعة الماضي، بأنها «لا تملك معلومات تُشاركها» حول ما إذا كانت الصين ستلغي ضوابط التصدير.
بدلاً من ذلك، شنت السلطات الصينية حملةً صارمةً على تهريب المعادن الأساسية، وهي فئة أوسع من الموارد تشمل العناصر الأرضية النادرة في يوم 12 مايو أيار، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة والصين عن تخفيضات الرسوم الجمركية.
وفي اليوم نفسه، غرّد حساب تابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية (CCTV)، على مواقع التواصل الاجتماعي «ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة الصينية مستمرة».
وبدأت الصين بالفعل في إصدار تصاريح تصدير للمغانط الأرضية النادرة، وهو التطور الذي يقول الخبراء إنه يُظهر أن نظام الترخيص الجديد يعمل بشكل جيد، وليس تعبيراً عن تخفيف القيود.
صرحت شركتان صينيتان لإنتاج مغانط المعادن النادرة لشبكة CNN أنهما حصلتا مؤخراً على تراخيص لتصدير منتجات تحتوي على الديسبروسيوم والتيربيوم، وهما عنصران يُضافان لزيادة مقاومة الحرارة في المغانط عالية الأداء المستخدمة في صناعات السيارات والفضاء والقطاعات العسكرية.
وقال مصدر من إحدى الشركتين لشبكة CNN «لم نتلقَّ أي مؤشرات على تخفيف إجراءات نظام (مراقبة الصادرات)».