بعد مكالمة بين ترامب وبوتين.. السلام في أوكرانيا لا يزال بعيداً

السلام في أوكرانيا يبدو أبعد بعد مكالمة ترامب مع بوتين (شترستوك)
السلام في أوكرانيا يبدو أبعد بعد مكالمة ترامب مع بوتين
السلام في أوكرانيا يبدو أبعد بعد مكالمة ترامب مع بوتين (شترستوك)

لم تُسفر مكالمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين، عن أي بوادر اختراق حقيقي في الحرب الدامية الدائرة في أوكرانيا، بل على العكس، كشفت عن مدى بُعد احتمالية التوصل إلى سلام في المدى القريب.

الأخطر من ذلك، أن المكالمة أثارت تساؤلات جديدة حول مدى رغبة ترامب في الانخراط الفعلي لحل النزاع، كما وسّعت الهوة بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

بينما تضغط أوكرانيا والدول الأوروبية من أجل هدنة لمدة 30 يوماً لفتح المجال أمام محادثات السلام، تصر موسكو على القفز مباشرة إلى مفاوضات بشأن اتفاق نهائي، وهي خطوة يرى فيها البعض مناورة روسية لإطالة أمد الحرب واستغلال الوقت لمواصلة الهجمات التي تزهق أرواح المدنيين.

وبإعلانه بعد الاتصال أن روسيا وأوكرانيا ستُباشران محادثات «بطريقتهما الخاصة» من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بدا أن ترامب ينحاز لصديقه في الكرملين.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وزاد ترامب غموض موقف الولايات المتحدة عبر تصريحاته الملتبسة، ولم يُبدِ أي محاولة لنفي ما أشار إليه نائبه جيه دي فانس سابقاً بأن أميركا قد تتنحى إذا لم يتم تحقيق تقدم.

وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: «هناك غرور كبير لدى الطرفين، لكن أعتقد أن شيئاً ما سيحدث.. وإن لم يحدث، فسأتراجع، وسيتعين عليهم الاستمرار».

هذا النوع من التهديدات هو أسلوب معروف لدى ترامب كرجل صفقات، لكن مع تزايد الشكوك داخل إدارته حول جدوى دعم أوكرانيا، قد لا يكون مجرد تهديد.

كما لمح ترامب إلى إمكانية أن تلعب الفاتيكان دوراً في الوساطة، وذكر اسم البابا الأمريكي الجديد ليو الرابع عشر. لكن معظم الخبراء يرون أن السلام في أوكرانيا لن يتحقق إلا إذا مارست الولايات المتحدة أقصى درجات الضغط والنفوذ.

وقالت بيث سانر، النائبة السابقة لمدير الاستخبارات الوطنية الأميركية: "أشعر أن الرئيس ربما لم يحاول الضغط على بوتين على الإطلاق".

من الجيد أنهما تحدثا لمدة ساعتين، لكن ماذا خرجنا من ذلك؟ بوتين ما زال متمسكً بمطالبه المتطرفة، ولدينا فقط اتفاق غامض حول التحدث عن إطار عام للسلام وربما وقف إطلاق نار يأتي لاحقاً بعد الاتفاق على عدة شروط أخرى.

وأضافت «من الصعب أن نرى المكالمة إلّا كنجاح لبوتين الذي يبدو وكأنه حصل على كل ما أراده».

روسيا تبدو مرتاحة تماماً للمكالمة

كالعادة، ظل الغموض يحيط بتفاصيل المكالمة، إذ لم يُعلن سوى ما أرادت موسكو وواشنطن الكشف عنه. لكن الكرملين قدّم بعض الإشارات حول الأجواء الودية التي طغت على الحديث. وقال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف «مكالمات بهذه المدة نادرة جدًا، ولم يرغب أي من الرئيسين في إنهائها أو إغلاق الخط».

وقبل المكالمة، كانت هناك آمال بأنها قد تكون نقطة تحول في جهود واشنطن لإنهاء الحرب، فقد صرّح ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط الأسبوع الماضي لشبكة «فوكس نيوز» قائلاً «حان وقت العمل»، ما رفع من سقف التوقعات بشأن نبرته تجاه بوتين.

كما صرّح مبعوثه ستيف ويتكوف لشبكة آيه بي سي نيوز «ABC News» يوم الأحد بأن «لدى الرئيس شخصية قوية لا مثيل لها»، مضيفاً «عليه أن يتحدث مع بوتين، وهذا ما سيغير الأمور».

لكن الواقع خالف التوقعات، وأثبت أن الكاريزما وحدها لا توقف الحروب، خصوصاً حين لا يصاحبها وضوح في الأهداف أو التزامات حقيقية.

صندوق النقد يبدأ المراجعة الثامنة للقرض

وفي خضم هذه التوترات، أعلن صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، بدء الجولة الثامنة من مراجعة برنامج التمويل الممتد لأوكرانيا ضمن آلية «التسهيل الائتماني الموسع» لمدة أربع سنوات.

وتهدف هذه الجولة إلى تقييم الأداء الاقتصادي وسط استمرار الحرب، ومناقشة سبل تمويل العجز، وضمان استدامة الدين العام.

قال محافظ البنك المركزي الأوكراني، أندريه بيشني، إن «المحادثات تبدأ من موقع قوي، والبرنامج يمثّل عامل صمود أساسياً»، مشيراً إلى أهمية دعم الشركاء الدوليين في تمويل العجز البالغ 38 مليار دولار هذا العام.

بدأت أوكرانيا، التي شهدت انكماشاً اقتصادياً حاداً بنسبة 30 في المئة في السنة الأولى من الحرب، في تحقيق تعافٍ طفيف في عامي 2023 و2024، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال دون مستويات ما قبل 2022.

ويعتمد الإنفاق الدفاعي في الغالب على الإيرادات المحلية، بينما يُموّل الدعم الإنساني والاجتماعي من المساعدات الخارجية، وهو ما يعكس هشاشة الوضع المالي للبلاد.

تشمل المباحثات مع صندوق النقد كذلك إصلاحات في القطاع المالي لتعزيز الاستقرار البنكي، مثل تحديث اللوائح المنظمة لمكاتب الائتمان وتطوير بنية الأسواق المالية.

لكن استمرار الدعم المالي مشروط بمدى الالتزام بالإصلاحات، في وقت تتزايد فيه المخاوف من تراجع التمويل الدولي، خاصة مع ضبابية موقف واشنطن وتصاعد التوترات الجيوسياسية.

بين خطاب سياسي غامض من واشنطن، وضغوط اقتصادية خانقة في كييف، تبقى أوكرانيا عالقة بين المطرقة الروسية وسندان التمويل الغربي المشروط، فيما يبتعد السلام يوماً بعد يوم.