يتجه شعب الإكوادور إلى صناديق الاقتراع، لكن هذه المرة لن يصوتوا من أجل رئيس جديد، ولكن -ولأول مرة في التاريخ- سيقرر الشعب مصير استخراج النفط من منطقة الأمازون الإكوادورية.

سيعطي الاستفتاء الناخبين فرصة لتقرير ما إذا كان بإمكان شركات النفط الاستمرار في الحفر في واحدة من أكثر الأماكن تنوعاً بيولوجياً على هذا الكوكب، حديقة «ياسوني» الوطنية، موطن آخر مجتمعات السكان الأصليين في الإكوادور.

من بين الأنواع الموجودة في متنزه ياسوني الوطني، نسر الخطاف، ثاني أكبر طائر جارح في العالم
من بين الأنواع الموجودة في متنزه ياسوني الوطني، نسر الخطاف، ثاني أكبر طائر جارح في العالم

تبلغ مساحة الحديقة نحو مليون هكتار عند نقطة التقاء الأمازون وجبال الأنديز وخط الاستواء، من المفترض أن هكتاراً واحداً فقط من أراضي «ياسوني» يحتوي على أنواع من الحيوانات أكثر مما تحتويه أوروبا بأكملها و أنواع أشجار أكثر مما هو موجود في كل أميركا الشمالية.

لكن تحت الأرض يوجد أكبر احتياطي من النفط الخام في الإكوادور.

قال بيدرو بيرمو، المتحدث باسم «الياسونيديون» وهي جماعة بيئية دافعت من أجل الاستفتاء، «نحن نقود العالم في معالجة تغير المناخ من خلال تجاوز السياسيين وإضفاء الطابع الديمقراطي على القرارات البيئية».

لقد كانت معركة استمرت عقداً من الزمان بدأت عندما اقترح الرئيس السابق رافائيل كوريا بكل صراحة أن يمنح المجتمع الدولي الإكوادور 3.6 مليار دولار لترك «ياسوني» دون أي مساس، لكن العالم لم يكن كريماً كما توقع كوريا ولم يتجاوب لطلبه، وفي عام 2016 بدأت شركة النفط الحكومية الإكوادورية الحفر في مربع 43 ممثلاً نحو 0.01 في المئة من الحديقة الوطنية، والذي ينتج اليوم أكثر من 55 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل نحو 12 في المئة من إنتاج النفط في الإكوادور.

صورة جوية لمركز معالجة تيبوتيني في بترويكوادور المملوكة للدولة في حديقة ياسوني الوطنية
صورة جوية لمركز معالجة تيبوتيني في بترويكوادور المملوكة للدولة في حديقة ياسوني الوطنية، 21 يونيو حزيران 2023

في نهاية المطاف، نجحت الحملة الشرسة المستمرة بلا هوادة في تحقيق خطوات بارزة نحو وقف الحفر من أجل النفط والحفاظ على الحياة البرية في المنطقة، إذ أذنت المحكمة الدستورية في البلاد في مايو أيار، بإدراج التصويت في الاقتراع في الانتخابات المقبلة.

سيحدد هذا القرار المصير الاقتصادي للإكوادور، إذ يعتقد المؤيدون الذين يرغبون في مواصلة التنقيب عن النفط أنه في حالة التوقف عن ذلك سيكون فقدان فرص العمل أمراً كارثياً.

وقال وزير الطاقة فرناندو سانتوس للإذاعة المحلية، «مؤيدو طلب بقاء النفط الخام تحت الأرض طالبوا بذلك قبل عشر سنوات عندما لم يكن هناك أي شيء، بعد 10 سنوات وجدنا أنفسنا نملك 55 ألف برميل يومياً أي 20 مليون برميل سنوياً».

وأضاف «عند 60 دولاراً للبرميل هذا يساوي 1.2 مليار دولار»، وقال «يمكن أن يتسبب ذلك في أضرار جسيمة للبلاد» في إشارة إلى الأضرار الاقتصادية، ونفى أن يكون هناك ضرر بيئي.

قال ألبرتو أكوستا بورنيو، الخبير الاقتصادي ومحرر نشرة التحليل الأسبوعي، إن الإكوادور «ستطلق النار على نفسها» إذا أوقفت الحفر، في مقطع فيديو نُشر على موقع «X»، المعروف سابقاً باسم «تويتر»، وقال «إنه بدون خفض الاستهلاك، كل ما يعنيه ذلك هو قيام دولة أخرى ببيع وقود الإكوادور».

لكن النشطاء «نعم» لديهم أفكار لسد الفجوة، من الترويج للسياحة البيئية وكهربة وسائل النقل العام إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية، وهم يزعمون أيضاً أن قطع الدعم عن أغنى 10 في المئة من سكان البلاد سيولد أربعة أضعاف ما يتم الحصول عليه من استخراج النفط من «ياسوني».

عينة من النفط الخام مأخوذة من بئر نفط في حديقة ياسوني الوطنية، إذ قد يعني التصويت في الاستفتاء ترك النفط الخام في الأرض إلى أجل غير مسمى
عينة من النفط الخام مأخوذة من بئر نفط في حديقة ياسوني الوطنية، إذ قد يعني التصويت في الاستفتاء ترك النفط الخام في الأرض إلى أجل غير مسمى

وأوضح بيرمو أن «هذه الانتخابات لها وجهان»، «من ناحية، لدينا العنف والمرشحون والأحزاب والمافيات السياسية نفسها التي حكمت الإكوادور دون تغييرات كبيرة، ومن ناحية أخرى، فإن الاستفتاء -على النقيض- يتمثل في حملة مواطنة مليئة بالأمل والفرح والفن والنشاط والكثير من العمل الجماعي لإنقاذ هذا المكان، نحن متفائلون جداً».

من بين أولئك الذين يناضلون لوقف التنقيب عن النفط، هيلينا غوالينغا، وهي مدافعة عن حقوق السكان الأصليين وتنحدر من قرية نائية في منطقة الأمازون الإكوادورية -موطن مجتمع (كيشوا ساراياكو)- وقالت لشبكة CNN، «هذا الاستفتاء يمثل فرصة كبيرة لنا لإحداث تغيير بطريقة ملموسة».

بالنسبة لغوالينغا، فإن الجزء الأكثر أهمية في الاستفتاء هو أنه إذا فاز «الياسونيديون»، فسيكون أمام شركة النفط الحكومية موعد نهائي مدته عام واحد لإنهاء عملياتها في المربع 43، وأوضحت أن بعض شركات النفط غادرت مناطق في الأمازون دون إغلاق العمليات بشكل صحيح وإعادة المنطقة لطبيعتها.

«هذه الجملة تعني أن عليهم فعل ذلك»، فأولئك الذين يرغبون في مواصلة الحفر في المنطقة يجادلون بأن الوفاء بالموعد النهائي البالغ عاماً واحداً لتفكيك العمليات سيكون مستحيلاً.

التنقيب عن النفط في مقابل تغير المناخ

يأتي الاستفتاء في الوقت الذي يواجه فيه العالم درجات حرارة شديدة، إذ أعلن العلماء أن شهر يوليو تموز هو الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، واقترب الأمازون كما تشير الدراسات إلى أنه نقطة تحول حرجة يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة في المحاربة من أجل معالجة تغير المناخ.

وفقاً لأنطونيا جوهاس، باحثة أولى في الوقود الأحفوري في منظمة حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش»، فقد حان الوقت لكي تنتقل الإكوادور إلى حقبة ما بعد النفط، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي للإكوادور من النفط بشكل كبير من نحو 18 في المئة في عام 2008 إلى ما يزيد قليلاً على 6 في المئة في عام 2021.

وهي تعتقد أن فوائد حماية الأمازون تفوق فوائد الحفاظ على الاعتماد على النفط، لا سيما بالنظر إلى تكلفة الانسكابات النفطية المنتظمة وعواقب تفاقم أزمة المناخ.

وقالت، «إن قيمة غابات الأمازون في حالتها السليمة أكثر من كونها قطعاً متفرقة، مثلها مثل سكانها».

(هانا هولاند، CNN)