ازداد الوعي العالمي بأهمية خفض الانبعاثات الكربونية، وبدوره ازداد الوعي أيضاً بما يُسمى بالكربون المتجسد، وهو انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالمباني، ما عزز من ضرورة الالتزام بمراحل البناء الأخضر. منذ بداية انتشار هذه الفكرة، أولت السعودية اهتماماً بالغاً بجهود المنتدى السعودي للأبنية الخضراء، إلى جانب المجالس المحلية والدولية ذات الصلة.
ومع تفاقم أزمة المناخ، أظهرت دراسة حول انبعاثات ما يعرف بـ(الكربون المتجسد) أن نسبته بلغت نحو 50 في المئة في المتوسط بالنسبة للمباني الجديدة الموفرة للطاقة، وذلك في عام 2022.
من منظور الاقتصاد الكلي، يُعزى ما يقرب من 10 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة إلى الانبعاثات المتجسدة من المباني، والتي تنتج من كل مراحل البناء والتصميم والتنفيذ.
مفهوم المباني الخضراء وأهميتها
على الرغم من السيناريو البيئي القاتم الذي نتج عن التغير المناخي، فقد أفرزت الأزمة جانباً إيجابياً آخر بعد أن جمعت دول العالم على قلب واحد لدفع وتيرة العمل المناخي ودعم الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره.
من جهته، قال أمين عام المنتدى السعودي للأبنية الخضراء، فيصل الفضل، لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «أزمة التغير المناخي -بداية من قطع الأشجار حتى حرائق الغابات- هي نتيجة لأسباب بشرية، ونتج عنها ارتفاع في تركيز أكسيد النيتروجين وغاز الكربون، والآن تسعى الدول إلى تسريع وتيرة العمل المناخي العالمي».
وأضاف «بعد الأزمة التي تسبب فيها الإنسان بالعديد من الأنشطة البشرية، يسعى العالم حالياً لتسريع العمل المناخي العالمي؛ من خلال الحد من الانبعاثات وزيادة الجهود للتكيف وتعزيز المبادرات والبرامج من أجل التصدي لظاهرة التغير المناخي».
لذلك، فإن المنتدى السعودي للأبنية الخضراء، يسعى إلى نشر مفهوم المباني الخضراء، والمساهمة في الوصول إلى أهدافه المتعلقة بخفض الانبعاثات الكربونية، فالمبنى الأخضر يراعي الاعتبارات البيئية في مراحل بنائه، وبالتالي فإنه لا يهدر الموارد أو الطاقة بل يُحسن من الأداء ويوفّر في التكاليف أيضاً، إلى جانب انعكاس تأثيره الإيجابي على البيئة والإنسان.
وفي السعودية، فقد أفاد الفضل أن مشاريع المباني الخضراء في المملكة بلغت نحو ألف مشروع يتطابق مع أهداف التنمية المستدامة، بينما تتكاتف العديد من الشركات الكبرى للتعامل مع البناء والتشييد وفقاً لهذه الأهداف، والالتزام بمستهدفات رؤية المملكة تجاه الحياد الكربوني، فضلاً عن دور هذه المباني في تعزيز الفرص التجارية والاقتصادية.
أهداف المنتدى السعودي للأبنية الخضراء
من منطلق توحيد الجهود العالمية، يتبنى المنتدى السعودي للأبنية الخضراء أهداف البرامج الأممية البيئية الساعية إلى خفض انبعاثات المباني إلى النصف، على أن تكون المباني الجديدة خالية تماماً من الكربون، ويهدف المنتدى لخفض نسبة الكربون المتجسد المعني بانبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بإنشاء المباني بنسبة 40 في المئة على الأقل، إضافة إلى خفضه في المشاريع الكبرى بنسبة 50 في المئة بحلول 2030، على أن تجري عملية التعديل التحديثي للأصول الحالية على قدم وساق -وهي العملية التي تهتم بصيانة المباني بعد إنشائها- وذلك وفقاً لما قاله الفضل.
يستهدف المنتدى أيضاً وصول كل الأصول الجديدة إلى صافي انبعاثات صفرية، بما في ذلك الانبعاثات التشغيلية المتجسدة التي قد تنبعث من المباني سواء أثناء مرحلة البناء أو بعدها، وذلك بحلول 2050 على أبعد تقدير.
وأضاف الفضل «يأتي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) في دبي ليشكل لحظة تاريخية للعمل المناخي العالمي، إذ يستهدف الاستجابة للتقييم العالمي وسد الفجوات حتى عام 2030».
وأوضح أن خير دليل على تكاتف الجهود العالمية للتصدي لهذه الأزمة يتمثل في النتائج الطموحة لمؤتمر الأطراف «كوب 28» الذي يعمل على بحث السياسات القائمة والاسترشاد بالمبادئ والالتزامات الدولية متعددة الأطراف.
(كوب 28)
يشارك المنتدى السعودي للأبنية الخضراء -بصفة مراقب بيئة ومناخ- لدى هيئة الأمم المتحدة بوفد رفيع المستوى في المنطقة الزرقاء بمؤتمر ( كوب 28) (المنطقة المخصصة للفعاليات الرسمية بالمؤتمر)، وهي أول مشاركة لوفد من مؤسسة سعودية تُمنح صفة مراقب معتمد من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ.
قال الفضل إن «المنتدى يشارك بجناح بسعة 40 متراً مربعاً لعرض أفضل الممارسات والمشاريع الخضراء التي تبنتها المملكة؛ بهدف تسليط الضوء على كيفية تحويل الأسواق التقليدية إلى قطاعات خضراء صديقة للبيئة، وفهم العقبات التي تواجه قطاع التشييد والبناء من خلال مناقشات الشركات المصنعة والشركات المتخصصة في الهندسة المعمارية والبناء والعقارات والمستثمرين ومقدمي التمويل، وكذلك الملاك والمشرعين».
وحول التحضيرات المنتظرة، قال الفضل «في الأسابيع المقبلة، نبدأ رحلتنا الطموحة لتطوير أجندة عمل عالمية لتحويل سوق البناء إلى بيئة ذات صافي انبعاثات صفرية، نحن نعلم أننا لسنا على المسار الصحيح، فإجمالي الانبعاثات الصادرة عن سوق البناء في ارتفاع مستمر، وبالتالي نحن بحاجة إلى تحديد العوائق الحرجة لتخطيها».
وأوضح أن السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- تلتزم بهدفها بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، مؤكداً عزم المملكة على تطبيق الممارسات الصحيحة وفهم العلوم المتقدمة للتعرف على أنماط تغير المناخ بشكل أفضل وتتبع آثاره، وبالتالي تطوير الأدوات الخضراء المناسبة للحد من هذه الآثار.
المباني الخضراء لحياة أكثر استدامة
وضعت السعودية ملف الاستدامة ركيزة أساسية في رؤية 2030، وأطلقت العديد من المبادرات لدعم الحياد الصفري، كما تعهدت بتقديم دعم بقيمة 92 مليار ريال (ما يعادل نحو 24.5 مليار دولار) لقطاعات المياه والبيئة والزراعة لتصميم خطة متكاملة للاستدامة عبر هذه القطاعات.
كان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد لفت لضرورة الاهتمام بالمباني منخفضة الكربون ضمن برامج مكافحة الأوبئة والتعهدات المناخية، موضحاً أن قطاع البناء والتشييد مثّل 38 في المئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي وصلت إلى 10 غيغاطن في 2021، وذلك على الرغم من زيادة الاستثمار بنسبة 16 في المئة لتشييد المباني الجديدة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة إلى 237 مليار دولار.
من هنا، تأتي أهمية ( البناء الأخضر) أو المستدام، وهو مصطلح يشير إلى عمليات البناء المسؤولة بيئياً، ما يتطلب تعاوناً وثيقاً بين كل الأطراف المعنية للحفاظ على البيئة، مع مراعاة الترشيد في استخدام الطاقة، والاستعانة بالطاقة المتجددة.
وأوضح الفضل «منذ بداية فكرة الأبنية الخضراء في عام 2010، أولت السعودية اهتماماً بالغاً بجهود المنتدى والمجالس المحلية والدولية ذات الصلة»، مشيراً إلى الحاجة للمزيد من الوضوح بشأن المعايير المطلوبة والقدرة على الوصول إلى بيانات الكربون، لتحويل الأهداف العالمية لجهود واضحة تعزز خفض الانبعاثات.
وأشار إلى تضافر رؤية ورسالة المنتدى السعودي للأبنية الخضراء مع رؤية السعودية 2023، لتحقيق الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة، موضحاً أن المنتدى أطلق دورته الثالثة عشرة بحضور وزير الشؤون البلدية والقروية السعودي، ماجد الحقيل، لتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على البيئة عبر أبنية خضراء ومدن مؤنسنة وطاقة نظيفة.
كما انضم العديد من الشركاء للمنتدى لأول مرة، مؤكدين قدرتهم على التكاتف من أجل الوصول إلى أهداف السعودية المتعلقة بالحياد الكربوني، وذلك بالتزامن مع ورش العمل التي عُقدت خلال أسبوع المناخ في الرياض في أكتوبر تشرين الأول حول تحويل التحديات التي تواجه أهداف التنمية المستدامة إلى فرص في ظل رؤية 2030.