يسابق العالم الزمن للحد من الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة التغير المناخي، ولجأت العديد من الدول لتقنيات مبتكرة للحد من الانبعاثات الناتجة عن الصناعات المختلفة، وفي مقدمتها تقنية احتجاز وتخزين الكربون، وتبرز الإمارات كإحدى الدول التي اتخذت خطوات فارقة نحو تبني هذه التقنية.
وفي عام 2022، بلغ حجم السوق العالمي لاحتجاز وتخزين الكربون 4.91 مليار دولار، ومن المتوقع وصوله إلى نحو 35.70 مليار دولار بحلول عام 2032.
وأظهرت بيانات جمعتها وكالة الطاقة الدولية أن منطقة مجلس التعاون الخليجي لديها 13 مشروعاً لالتقاط وتخزين الكربون، بعضها قيد التشغيل بالفعل والبعض الآخر ما زال قيد التخطيط، وتستضيف الإمارات والسعودية وقطر المشاريع الثلاثة الأهم في هذا الصدد.
ما هي تقنيات احتجاز وتخزين الكربون؟
وتعتمد تقنيات احتجاز الكربون على التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن العمليات الصناعية ونقله عبر الأنابيب ثم تخزينه على عمق كبير تحت الطبقات الصخرية، لمنع عودته لسطح الأرض أو قاع البحر مرة أخرى.
كما يمكن إعادة تدوير الكربون المحتجز وتحويله إلى منتجات جديدة مثل البلاستيك، والمشروبات الغازية، والوقود الاصطناعي، والأعلاف الحيوانية، ومواد البناء، من بين أشياء أخرى.
وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تستخرج هذه المشاريع حول العالم ما يقرب من 550 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وفقاً لتوقعات ريستاد، أي بزيادة قدرها عشرة أضعاف على إجمالي عام 2021 البالغ 45 مليون طن سنوياً.
ويحتاج العالم لاحتجاز 1.2 مليار طن من الكربون سنوياً بحلول عام 2030 حتى يتمكن من الوصول لهدف صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.
الإمارات تخطو بقوة للحد من الانبعاثات الكربونية
في عام 2015، وصلت نسبة مساهمة الإمارات في الانبعاثات الكربونية العالمية إلى ذروتها، إذ مثلت نحو 0.61 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية، قبل أن تتراجع إلى 0.55 في المئة في عام 2021 بفضل جهود كبح التلوث الكربوني.
وباشرت الإمارات وحدها تنفيذ 14 مشروعاً بغرض الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ويُتوقع أن تسهم هذه المشاريع في خفض مستويات مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنحو مليون طن سنوياً، بحسب البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات.
وتهدف شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) -أكبر شركات النفط والغاز في الإمارات- إلى زيادة قدرتها على احتجاز الكربون بأكثر من ستة أضعاف لتصل إلى خمسة ملايين طن سنوياً، ويعادل ذلك نسبة الكربون الذي يتم احتجازه بواسطة غابة طبيعية شاسعة بضعف مساحة دولة الإمارات تقريباً، كما أعلنت الشركة.
وانطلاقاً من سياستها القائمة على الأفعال لا الأقوال، افتتحت أدنوك في عام 2016 مصنع (الريادة)، وهو أول منشأة تابعة لها في أبوظبي لالتقاط الكربون ونقله وتخزينه، بقدرة التقاط تصل إلى 800 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مصنع حديد الإمارات أركان سنوياً.
وفيما يلي نبذة عن أهم المبادرات التي قامت بها الشركة في هذا الصدد:
مشروع حبشان.. الأكبر من نوعه في المنطقة
مشروع حبشان هو أحد أكبر مشاريع التقاط الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويهدف لالتقاط 1.5 مليون طن سنوياً من غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بشكلٍ دائم في تكوينات جيولوجية عميقة.
ومن المقرر أن يسهم المشروع في زيادة قدرة أدنوك على التقاط الكربون بواقع ثلاثة أضعاف لتصل إلى 2.3 مليون طن سنوياً، أي ما يعادل إزاحة أكثر من 500 ألف سيارة تعتمد على البنزين من الطرقات سنوياً.
ولنقل هذه المبادرة الضخمة لحيز التنفيذ، اتفقت أدنوك وفيرتيغلوب في أكتوبر تشرين الأول على بدء التطبيق التجريبي لأول وحدة معيارية لالتقاط الكربون في العالم باستخدام تقنية (سيليكون سي).
مشروع الحيل وغشا.. أول مشروع غاز دون انبعاثات كربونية
في أكتوبر تشرين الأول، منحت أدنوك الإماراتية عقدين لمشروع تطوير منطقتي حيل وغشا البحرية بقيمة 16.94 مليار دولار (62 مليار درهم إماراتي)، وهو أول مشروع غاز يستهدف العمل دون إنتاج انبعاثات كربونية، ما يدعم خطة الشركة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2045.
ويسعى المشروع الواقع في المنطقة البحرية في أبوظبي إلى احتجاز 1.5 مليون طن من الكربون سنوياً، ما يرفع قدرة الشركة على احتجاز الكربون لنحو أربعة ملايين طن سنوياً.
ويأتي ذلك بعدما أعلنت أدنوك مؤخراً استهداف احتجاز نحو عشرة ملايين طن من الكربون سنوياً بحلول عام 2030.
أدنوك وأوكسيدنتال.. أكبر منشأة خارج أميركا للالتقاط المباشر من الهواء
وقعت أدنوك اتفاقية مع شركة أوكسيدنتال في أغسطس آب بهدف توفير تمويل بـ367 مليار درهم (100 مليار دولار) لتنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة وإدارة الكربون، والتي تشمل التقاط وتخزين الكربون، والالتقاط المباشر للكربون من الهواء بحلول عام 2035.
وبموجب الاتفاقية التي تقع ضمن الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الأميركية للاستثمار في الطاقة النظيفة، ستعمل الشركات على تطوير منشآت الالتقاط المباشر من الهواء في الإمارات، بما يشمل منشأة هي الأكبر من نوعها خارج الولايات المتحدة.
أدنوك والفجيرة ومصدر.. تعاون لتعدين وتخزين الكربون
تعاونت أدنوك مع كل من مؤسسة الفجيرة للموارد الطبيعية، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) في بداية العام الجاري، بهدف إطلاق مشروع تجريبي مبتكر لتعدين ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى صخور بشكل دائم ضمن التكوينات الصخرية الموجودة في إمارة الفجيرة.
وسيستخدم المشروع تقنية شركة (44.01) لالتقاط الكربون وتعدينه بهدف إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وتسلط مثل هذه المشاريع الضوء على جهود دولة الإمارات المتعلقة بالمناخ والبيئة، والتي تُوجت باستضافتها لقمة الأمم المتحدة للمناخ كوب 28 في الفترة من الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني، وحتى الثاني عشر من ديسمبر كانون الأول.