زينة ملوّنة، وإضاءة لطيفة، ونجمة ذهبية في أعلى الشجرة، وهدايا عديدة أسفلها.. هكذا تعبّر أشجار عيد الميلاد المعروفة عالمياً باسم أشجار الكريسماس عن أجواء الاحتفالات وأمنيات السلام على مستوى العالم، هذه الأمنيات التي باتت مهددة بفعل التغيّر المناخي، والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق.

يشهد شهر ديسمبر كانون الأول من كل عام ذروة موسم العطلات والاحتفالات حول العالم، وبالنسبة للشركات يمثل هذا الشهر أيضاً ذروة موسم المبيعات مع تزايد إقبال المستهلكين على الشراء خلال تلك الفترة، وإن كان موسم الاحتفالات الأشهر يأتي هذا العام وسط معدلات تضخم مرتفعة يرى البعض أنها لا تتناسب مع الإنفاق التفاخري.

ويزداد الإقبال بشكل خاص على شراء أشجار الكريسماس التي تُعد جزءاً لا يتجزأ من أجواء الاحتفال، فسوق أشجار الكريسماس -بدون الزينة والأضواء- تُقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وفقاً لأحدث إحصائيات مجلة العلوم الأميركية لعام 2022.

وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تنتج ما بين 33 و36 مليون شجرة عيد ميلاد سنوياً، بينما تنتج أوروبا 50-60 مليون شجرة سنوياً.

لكن المظهر المبهج لأشجار الكريسماس يخفي وراءه وجهاً آخر أكثر قتامة بسبب التأثيرات السلبية لتلك الشجرة على البيئة، في وقت يزداد فيه القلق العالمي بشأن تداعيات التغير المناخي.

فكيف تمثل هذه الشجرة خطراً على المناخ؟

كيف تشكل أشجار الكريسماس خطراً على البيئة؟

تشير التقديرات إلى أن الغابات أسهمت في إزالة نحو ملياري طن من الكربون من الغلاف الجوي سنوياً منذ عام 2000.

وكغيرها من الأشجار، يعتقد الكثيرون أن أشجار الكريسماس أيضاً لها التأثير المستدام نفسه نظراً لقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لكن الحقيقة تختلف كثيراً عن هذا الاعتقاد.

فأشجار الكريسماس لا يمكنها إتمام عملية امتصاص الكربون بشكل فعال لسبب بسيط، وهو أنها تُقتلع في عمر مبكر قبل أن تصل إلى مرحلة النضج الكامل، فضلاً عن استخدام المبيدات الحشرية بكثرة في زراعتها، بما في ذلك الأنواع المحظور استخدامها لأغراض البستنة، وذلك وفقاً لتقرير إخباري بريطاني في عام 2020.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فعقب انتهاء الاحتفال يبدأ فصل جديد من الإضرار بالبيئة نتيجة عملية التخلص من الأشجار، إذ ينتج عن هذه العملية نحو 3.5 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون -لكل شجرة- في حالة التخلص منها عن طريق ماكينة تقطيع الخشب أو الحرق.

أما إذا انتهى بها الأمر في مدافن النفايات، فإن البصمة الكربونية لكل شجرة تزداد بأربعة أضعاف، ما يعادل 16 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون.

البدائل الاصطناعية.. حل أم تعميق للأزمة؟

من هنا، ازداد الجدل العالمي حول ضرورة إيجاد حلول بديلة مثل الأشجار البلاستيكية، باعتبارها أكثر صداقة للبيئة بسبب قابليتها لإعادة التدوير، لكنها لم تكن الخيار المثالي أيضاً.

تشير التقديرات إلى أن الشجرة الاصطناعية البلاستيكية التي يبلغ طولها مترين تُنتج نحو 40 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون عند التخلص منها؛ ويمكن تقليل هذا الأثر عن طريق إعادة استخدام الشجرة لفترة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات اعتماداً على طريقة تخزينها.

كما توصلت دراسة أجرتها جامعة يوتاه الأميركية إلى أن الأشجار البلاستيكية تنتج نحو 10 أضعاف كمية الكربون مقارنة بالشجرة الحقيقية طوال دورة حياتها، إذ تُنتج المبيعات السنوية من أشجار الكريسماس البلاستيكية نحو ملياري رطل من الكربون مقابل 200 مليون رطل لنظيرتها الحقيقية.

ونظراً لأنها غير قابلة للتحلل أو إعادة التدوير، فقد تؤدي الأشجار البلاستيكية إلى تفاقم الضغط على مدافن النفايات عند التخلص منها، إذ تُنتج المزيد من الغازات الدفيئة، وتلوث النظم البيئية المحيطة عن طريق تسرب المواد الكيميائية الضارة إلى التربة.

ونظراً لأنها تُصنع من المعادن والبلاستيك، فهي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة لمعالجتها، ما يتسبب في تلوث أكبر للهواء.

وفي المتوسط، فإن عملية إنتاج الأشجار الاصطناعية تُولد نحو 88 رطلاً من ثاني أكسيد الكربون لكل شجرة؛ وهذا أعلى بمقدار 10 مرات من أي شجرة طبيعية كاملة النمو.

أشجار الكريسماس.. إحدى ضحايا التغيرات المناخية

في موسم الكريسماس، تُعد شخصية (غرينش) الخيالية -المعروفة بسرقة عيد الميلاد- هي الأكثر شهرة بعد شخصية (بابا نويل)، ومع تفاقم أزمة المناخ سخر بعض الباحثين من عمق الأزمة بقولهم «إن لم يسرق غرينش الكريسماس، فإن أزمة المناخ ستتكفل بذلك».

وفي إحدى قرى المجر، يشعر المزارعون بالقلق من تقلص غابات الصنوبر الاستوائية بسبب التغير المناخي، بعد أن انخفضت مساحتها من 185218 هكتاراً في عام 2019 إلى 175804 هكتارات في عام 2022، وفقاً لبيانات المركز الوطني للأراضي.

وتزرع القرى المجرية الواقعة غرب البلاد على الحدود مع كرواتيا نحو مليوني شجرة، ويضطر المزارعون حالياً إلى رشها بالمبيدات الحشرية ثلاث مرات سنوياً بعد أن أدت حالات الجفاف المتكررة والاحتباس الحراري إلى زيادة تكاثر الحشرات الثاقبة للخشب التي تدمر الأشجار، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.

ولا يقتصر الأمر على المجر، إذ يزداد القلق بشأن تأثير الاحتباس الحراري على الأشجار والغابات الطبيعية حول العالم، خاصة أن النصف الثاني من 2023 شهد ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة مقارنة بالأعوام السابقة.

أشجار الكريسماس في مواجهة الأزمة الاقتصادية

على عكس معظم المحاصيل، هناك فجوة زمنية كبيرة بين فترة زراعة أشجار الكريسماس ووقت بيعها، إذ يستغرق هذا النوع من الأشجار من ثماني إلى عشر سنوات لزراعته، وفقاً للجمعية الوطنية لشجرة الكريسماس، وهي مؤسسة تجارية تمثل المزارعين في أميركا، لذلك قد يفرض المزارعون رسوماً على مخزونهم من الأشجار في وقت الأزمات.

وفي الوقت الحالي، أصبح اقتناء أشجار الكريسماس بمثابة استهلاك تفاخري يضغط على ميزانية الأسر في ظل ارتفاع الأسعار الاستهلاكية والحرب الضارية التي تشنها البنوك المركزية على التضخم عبر رفع أسعار الفائدة.

وبلغ سوق أشجار الكريسماس -وما يرتبط بها من زينة وأضواء- نحو 6.8 مليار دولار في 2021، وفقاً لأحدث تحليلات ستاتيستا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من تسعة مليارات دولار بحلول 2026.