تختبر شركة الصناعات الكيميائية الألمانية كوفيسترو تصنيع منتج رئيسي باستخدام السكّر بدلاً من النفط، في خضم مساعي القطاع لتقليص بصمته الكربونية.

يشمل المشروع التجريبي إنتاج الـ«أنيلين»، وهو مركّب كيميائي يُستعمل في تصنيع المواد الرغوية، ويستخدم على نطاق واسع في الفرش والكراسي، وكذلك تصنيع المواد العازلة.

في حين من المرجّح ألّا يكون الإنتاج التجاري واسع النطاق ممكناً قبل سنوات، تشكل التجربة خطوة صغيرة على مسار سعي الصناعات الكيميائية لتقليص انبعاثات الكربون مع مواجهة الكوكب حالة طوارئ مناخية كبرى.

من أصل مئة مليون برميل من النفط تنتج في جميع أنحاء العالم يومياً «يذهب الربع مباشرة إلى الصناعات الكيميائية»، وفق البروفسور والتر لايتنر المحاضر من جامعة آخن المنخرطة في مشروع الأنيلين منذ عقد.

ووفق لايتنر «تحتاج الصناعات الكيميائية إلى إعادة بناء بشكل كامل».

استخدام السكر المخمر لصناعة الأنيلين المهم للعديد من الصناعات، أ ف ب
استخدام السكر المخمر لصناعة الأنيلين المهم للعديد من الصناعات، أ ف ب

بدأت شركة كوفيسترو لتصنيع البلاستيك -فرع سابق لشركة باير العملاقة للكيميائيات- التجارب في مجمّعها في مدينة ليفركوزن في غربي ألمانيا في نهاية العام 2023، بعد التجارب المخبرية.

يستخرج الأنيلين -سائل شفاف- من شبكة بطول 600 متر من الأنابيب المتشابكة، وباستخدام آلية طوّرها باحثو جامعة شتوتغارت، يعالج السكر المخمر بمواد كيميائية لصنع المنتج.

ويستخدم الأنيلين مكوناً أساسياً للميثيلين ثنائي الفينيل ثنائي أيزوسيانات وهو مادة أساسية لتصنيع المنتجات الرغوية.

تقليدياً، يستخرج الأنيلين من مشتقات النفط الخام، لكن عملية إنتاجه يتخللها انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون أحد غازات الدفيئة الرئيسية.

يبلغ الإنتاج العالمي للأنيلين سنوياً نحو ستة ملايين طن تنتج منها كوفيسترو نحو مليون طن، إلى الآن لا ينتج المشروع التجريبي في ليفركوزن سوى كمية ضئيلة.

الحياد الكربوني والصناعات الكيميائية

يشكّك خبراء في جدوى المقاربة، فاستخدام مواد نباتية في التصنيع قد يحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن إمكان أن يؤدي ذلك إلى الحياد الكربوني «هو غالباً موضع شك»، وفق ما يؤكد ينس غونتر من الوكالة الفيدرالية الألمانية للبيئة.

ويوضح غونتر أن هذه هي الحال بالتحديد عندما يتعلّق الأمر باستخدام «ما يُسمى الكتلة الحيوية المزروعة مثل الذرة وقصب السكر والشمندر السكري».

ولفتت جانين كوردوان من الاتحاد الألماني للبيئة والحفاظ على الطبيعة إلى أن الزراعات الصناعية تولّد «انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان من خلال تحويل الأراضي وإنتاج الأسمدة والمبيدات الحشرية»، وتؤدي أيضاً إلى «خسائر كبيرة في التنوع البيولوجي وارتفاع استهلاك المياه».

مع ذلك، يقول غونتر إن استخدام المواد النباتية في عمليات الإنتاج من المرجّح أن ينتج انبعاثات غازات دفيئة أقل بكثير من استخدام الوقود الأحفوري، على الرغم من أن اللجوء لاستخدام مواد النفايات بدلاً من المحاصيل المنتجة في الزراعة الواسعة النطاق سيكون أفضل.

وتجري شركات ألمانية أخرى تجارب في هذا المجال.

عوائق استبدال السكر بالنفط

مع ذلك، هناك عوائق كثيرة تحول دون المُضي في مثل هذه المشاريع، وتبدأ هذه العوائق من توافر المواد العضوية الضرورية والتي يزداد الطلب عليها مع تسارع وتيرة عملية التحوّل لاقتصاد مراعٍ للبيئة، وصولاً إلى ارتفاع التكاليف عند مقارنتها بإنتاج مواد كيميائية مماثلة بالاعتماد على النفط.

وفق تورستن دراير العضو في مجلس إدارة كوفيسترو والمشرف على المشروع، لن يكون هناك ما يبرر توسيع نطاق العملية إلا إذا أدت إلى «خفض كبير لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون» خلال عملية التصنيع.

ويشير دراير إلى ضرورة التوصّل إلى دليل على أموال «يمكن جَنيها في بيئة تنافسية، من أجل تمويل الأبحاث هنا».

وسيكون من أكبر التحديات بالنسبة لألمانيا إقناع الصانعين بإنشاء مواقع جديدة مكلفة لمعالجة المواد الكيميائية.

ويواجه قطاع الكيميائيات المستهلك للطاقة بشكل مكثّف في أكبر اقتصاد في أوروبا، أزمة منذ أن قرّرت ألمانيا ودول عدة الاستغناء عن إمدادات الغاز الروسي على خلفية غزو روسيا أوكرانيا ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة.

حالياً ينصبُّ تركيز شركات عدّة على تحويل الإنتاج إلى مواقع أقل تكلفة خارج البلاد، بدلاً من التوسّع داخلها.

ويحذّر دراير من أن «تكاليف الطاقة في ألمانيا حالياً أعلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف مما هي عليه في الولايات المتحدة»، في حين يرزح القطاع الصناعي تحت وطأة بيروقراطية متزايدة.