بدأ الكسوف الكلي للشمس في مشهد سماوي مهيب تشهده أميركا الشمالية، من مازاتلان في المكسيك، إذ استمر لنحو أربع دقائق كاملة، على أن يمر بعدة ولايات أميركية، ويصل إلى الساحل الشرقي لنيوفاوندلاند في كندا.
وفي حين أن الكسوف الكلي هو الحدث الرئيسي، إلا أنه يمكن رؤية بضع نقاط من الضوء في السماء بالقرب من الكسوف، تنتمي إلى المشتري والزهرة والمريخ والضوء الخافت القادم من زحل.
في الولايات المتحدة الأميركية، يعيش نحو 32 مليون شخص ضمن مسار الكسوف الكلي، ويتوقع المسؤولون أن يسافر خمسة ملايين شخص آخرين ليكونوا هناك، علماً أن الأمر يستغرق من 70 إلى 80 دقيقة من اللحظة التي يبدأ فيها القمر في حجب الشمس حتى لحظة الكسوف الكلي، ثم 80 دقيقة أخرى لإكمال العملية في الاتجاه المعاكس.
أما في المكسيك، فزار الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مدينة مازاتلان، لمشاهدة الحدث مباشرة، ووصفه بأنه يوم جميل للغاية لا ينسى، بينما تجمع الآلاف في مكسيكو سيتي.
حمى الكسوف الكلي للشمس
تقدر شركة الأبحاث بيريمان غروب أن الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للكسوف الكلي للشمس هذا العام قد تصل إلى 6 مليارات دولار.
فقد استفادت الشركات من الإثارة المحيطة بالكسوف الكلي للشمس من خلال إقامة فعاليات خاصة، في حين حُجزت الفنادق والإيجارات قصيرة الأجل في مواقع المشاهدة الرئيسية منذ عدة أشهر مقدماً.
وفي حديقة ستونهنج 2 في ولاية تكساس -وهي نسخة طبق الأصل من ترتيب الحجارة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في إنجلترا- اجتمع مراقبو الكسوف من جميع أنحاء العالم.
وفي كليفلاند، توقع المسؤولون المحليون وصول نحو 200 ألف زائر، كما خططت قاعة مشاهير الروك آند رول لإقامة مهرجان سولارفيست للموسيقى لمدة أربعة أيام.
وفي أركنساس، أفادت التقارير بأن أكثر من 300 من الأزواج سيتبادلون عهود الزواج في حفل زفاف جماعي بعنوان (الكسوف الكلي للقلب)؛ تيمناً باسم الأغنية الشهيرة لبوني تايلر.
وخططت شركة دلتا إيرلاينز لرحلتين خاصتين على طول المسار، بينما أغلقت العديد من المدارس في المنطقة أبوابها طوال اليوم.
ومن المرجح أن تشهد الولايات المتحدة زيادة في النفقات المباشرة من قبل الزوار بنحو 1.6 مليار دولار، وفقاً لبيانات بيريمان.
كما توقعت البيانات زيادة قدرها ثلاثة مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي لأميركا، و1.8 مليار دولار في الدخل الشخصي المتدفق إلى المقيمين في الولايات المتحدة، بسبب الفترة المصاحبة للكسوف.
وتوقعت شركة الأبحاث أيضاً، أن يتراوح إجمالي الإنفاق حسب الولاية من 2.1 مليون دولار في نيو هامبشاير إلى 1.4 مليار دولار في تكساس.
كيف تتأثر الطاقة الشمسية؟
تشكل الطاقة الشمسية حصة كبيرة من إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة الأميركية، لكن مع مرور الكسوف الكلي للشمس من تكساس إلى ماين، فقد توقع المختبر الوطني للطاقة المتجددة، انخفاضاً في الطاقة بنسبة 71 في المئة في الشرق، و45 في المئة في الغرب، و93 في المئة في شبكة تكساس؛ التي تشهد أكبر انخفاض في إجمالي الطاقة التي يمكن توليدها من الشمس.
وأضاف المختبر أن الكسوف سيعزز من الطلب على الكهرباء في العديد من المراكز السكانية؛ بسبب انخفاض توليد الطاقة الشمسية.
ونظراً لمرونة نظام الطاقة المتنوع في الولايات المتحدة، فلن تنقطع الكهرباء عن أحد أثناء الكسوف الكلي للشمس، وفقاً لما أورده المختبر.
وحلل الباحثون بيانات الأرصاد الجوية والجغرافيا والحمل الكهربائي والإشعاع الشمسي وطاقة الرياح، من مختبر لورانس بيركلي الوطني، وجمعية صناعات الطاقة الشمسية، وهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وإدارة معلومات الطاقة، والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء.
ووصلوا إلى الطاقة الشمسية ستنخفض بمقدار 35.3 غيغاواط في الساعة، على أن تستعيد الولايات توازن الحمل بشكل أساسي عن طريق تخزين الطاقة الكهرومائية التي تُضخ بنسبة 24 في المئة، والغاز بنسبة 30 في المئة، إلى جانب مزيج من النفط والغاز بنحو اثنين في المئة، والبخار بنسبة اثنين في المئة أيضاً.
ومن المقرر أن يحلل المختبر نتائج الكسوف الكلي للشمس عقب انتهائه، علماً أن آخر حدث فلكي شهدته الولايات المتحدة مثل هذا كان في عام 2017، ومنذ ذلك الحين تضاعفت الطاقة الشمسية في البلاد بأكثر من ثلاثة أضعاف، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
كما وفرت 4 في المئة من توليد الطاقة في البلاد العام الماضي، وأصبحت تكساس بمثابة مختبر لنشر الطاقة الخضراء.
ومع ذلك؛ فإن المستقبل يبدو مشرقاً بالنسبة للطاقة الشمسية، إذ يمكن تخزين جزء كبير منها الآن، وكمية أكبر بكثير في المستقبل، خاصة في البطاريات، ما يجعل الطاقة متاحة لساعات بعد توقف الشمس عن السطوع.
وتوفر بطاريات الليثيوم أيون وسيلة لنقل الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح الرخيصة، أو غير المستخدمة في أوقات أخرى، على سبيل المثال بلغ تخزين الطاقة مساء الأحد في تكساس أكثر من 3 في المئة، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.
كما توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف تخزين البطاريات على مستوى أميركا خلال العام الجاري إلى نحو 15 غيغاواط، تدعي تكساس أنها تملك أكثر من 40 في المئة من هذه السعة.
وأوضحت أن الطاقة الشمسية تمثل الحصة الأكبر من مصادر الولايات المتحدة لتوليد الكهرباء خلال العام الجاري، بنسبة 58 في المئة، يليها تخزين البطاريات بنسبة 23 في المئة.
وكانت الوكالة أعلنت عن توقعاتها بنمو مساهمة طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توليد الطاقة في الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين؛ نتيجة لمشاريع الطاقة الشمسية الجديدة التي ستبدأ هذا العام، على أن تنمو الطاقة الشمسية في أميركا بنسبة 75 في المئة من 163 مليار كيلوواط في الساعة في عام 2023 إلى 286 مليار كيلوواط في الساعة في عام 2025.
المكاسب العلمية
لم تتوقف المكاسب عند هذا الحد، فقد خططت ناسا لإطلاق ثلاثة صواريخ في مراحل الكسوف الكلي للشمس لقياس التغيرات الناجمة عن الظلام المفاجئ في طبقة الأيونوسفير، وهي الطبقة العليا من الغلاف الجوي مهمة للاتصالات الراديوية لمسافات طويلة.
كما أتاح الكسوف فرصة ذهبية لدراسة هالة الشمس، وهي الطبقة الخارجية من غلافها الجوي والتي عادة ما تكون مخفية بواسطة الضوء الساطع الصادر من السطح.
وقد لوحظ سلوك حيواني مذهل خلال فترات الكسوف الماضية؛ فقد شوهدت الزرافات وهي تعدو، في حين أن الديوك والصراصير يمكن أن تبدأ بالصياح والنقيق، وفقاً لما جاء في وكالة الأنباء الفرنسية.
كشفت الأبحاث أن الكسوف يثير مشاعر الرهبة لدى البشر عندما نواجه مكاننا الصغير داخل النظام الكوني الشاسع، يظهر الأفراد المزيد من المشاعر «الإيجابية» تجاه بعضهم البعض في أعقاب التجربة المشتركة.
متى يحدث الكسوف المقبل؟
بعد انتهاء الكسوف الكلي للشمس، ستتمكن ألاسكا من إلقاء نظرة على كسوف كلي للشمس في 30 مارس آذار 2033، على أن تشهد معظم أنحاء أميركا كسوفاً جزئياً للشمس.
لن يكون الكسوف الكلي للشمس مرئياً مرة أخرى من الولايات المتحدة حتى 22 أغسطس آب 2044، لكن الكسوف الكلي سيحدث فقط في داكوتا الشمالية ومونتانا، وشمال كندا.
ومع ذلك، فإن الكسوف الكلي التالي للشمس بمسار من الساحل إلى الساحل سيحدث في 12 أغسطس آب عام 2045.