في إطار مكافحة التغير المناخي، أصبح تداول أرصدة الكربون أحد الأدوات الرئيسية التي تتيح للدول تحقيق أهدافها البيئية مع تحقيق مكاسب مالية، وفقاً للمادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ، يمكن للدول التي تتمكن من خفض انبعاثاتها بما يتجاوز التزاماتها، بيع هذه «الأرصدة» للدول أو الشركات التي تعاني من صعوبة في تقليص انبعاثاتها.
بهذه الطريقة، لا تحقق هذه الدول فقط فوائد بيئية، بل أيضاً تدفقاً مالياً يمكن أن يعزز اقتصاداتها، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية الحالية.
وأصبحت أزمة التغير المناخي والتحديات البيئية من القضايا العالمية التي تستدعي تضافر الجهود لإيجاد حلول فعالة، في هذا السياق، برزت آلية أرصدة انبعاثات الكربون كأداة مهمة في مواجهة هذه المشكلة، وبموجب اتفاقية باريس للمناخ، تحدد المادة 6 آلية لتداول الأرصدة من حقوق انبعاثات الكربون بين الدول، ما يسمح لبعض الدول والشركات بتحقيق أهدافها المناخية من خلال خفض الانبعاثات في مناطق أخرى.
هذه الآلية توفر فرصة جديدة للتعاون الدولي، إلا أنها تثير في الوقت نفسه العديد من الأسئلة المتعلقة بكيفية تنظيم السوق العالمية لهذا النظام، وهو ما سيكون محور المناقشات في مؤتمر كوب29 المزمع انعقاده في باكو.
ما هي أرصدة انبعاثات الكربون؟
أرصدة انبعاثات الكربون هي وحدات تسمح للدول أو الشركات بإصدار كميات محددة من الغازات الدفيئة، حيث تعادل كل وحدة طناً واحداً من ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادله من الغازات الأخرى، وتمنح هذه الوحدات للدول أو الشركات فرصة للعمل ضمن حدود معينة للانبعاثات.
فإذا نجحوا في تقليل انبعاثاتهم عن الحدود المقررة لهم، يمكنهم بيع الأرصدة الفائضة إلى أطراف أخرى، ما يوفر لهم مصدراً مالياً، تُعتبر هذه الأرصدة أداة للتخفيف من الانبعاثات وتعد إحدى طرق تمويل الإجراءات المناخية.
المادة 6 من اتفاقية باريس
المادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ، التي تم الاتفاق عليها في عام 2015، تُعد حجر الزاوية في تمكين الدول من تداول أرصدة الكربون لتحقيق أهدافها المناخية.
تقسم المادة إلى بندين رئيسيين:
البند 6.2 يسمح للدول بإبرام اتفاقيات ثنائية لشراء وبيع أرصدة انبعاثات الكربون وفقاً لشروط محددة بين الدول.
البند 6.4 يهدف إلى إنشاء نظام مركزي تديره الأمم المتحدة يسمح للدول والشركات بتداول الأرصدة والتعويض عن انبعاثاتها عبر آلية منظمة تضمن تطبيق المعايير البيئية.
وتعد هذه المادة أداة أساسية لتحقيق الالتزامات المناخية للبلدان الموقعة، وتسهم في تقديم تمويلات للمشروعات المناخية في الدول النامية، كما توفر الفرصة لضمان استمرارية آلية تمويل المناخ، حتى في حال انسحبت بعض الدول مثل الولايات المتحدة كما حدث تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
كيف تعمل أرصدة حقوق انبعاثات الكربون؟
تواجه العديد من الدول والشركات صعوبة في تحقيق أهدافها المناخية بسبب نقص الموارد أو التحديات المحلية التي تعيق تقليص الانبعاثات، من هنا ظهرت فكرة «التعويضات الكربونية»، التي تسمح بتقليص الانبعاثات في مناطق أخرى عبر دفع تكاليف مشروعات خفض الانبعاثات مثل تركيب الألواح الشمسية أو تحويل أساطيل النقل إلى وسائل كهربائية.
ويُعتبر هذا النظام حلاً عملياً لتحقيق الأهداف المناخية دون الحاجة إلى تقليص الانبعاثات بشكل مباشر في الأماكن ذات القيود الكبيرة.
التحديات المتعلقة بتداول أرصدة الكربون
على الرغم من الاتفاق على قواعد تداول أرصدة الكربون في مؤتمر (كوب26) في جلاسجو، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن التفاصيل الدقيقة للتنظيمات المرتبطة بهذه السوق بقي معلقاً في مؤتمر (كوب28) في دبي.
وتم التوصل إلى بعض الاتفاقيات الثنائية بين الدول مثل اليابان وإندونيسيا، لكن هناك مخاوف من وجود ثغرات قد تسمح بتغيير شروط الاتفاقيات أو إلغائها، ما يؤثر على مصداقية وفعالية السوق.
في مؤتمر ( كوب29)، يأمل المفاوضون في تحديد حواجز حماية لضمان أن الاتفاقيات الثنائية تتماشى مع الأهداف الفعلية لتخفيض الانبعاثات، فضلاً عن تفعيل النظام المركزي المدعوم من الأمم المتحدة، من المتوقع أن تسهم هذه الإجراءات في زيادة ثقة المستثمرين والمشاركين في السوق العالمية لتداول الكربون.
الآفاق المستقبلية للسوق الطوعية
قد يكون لتفعيل النظام العالمي لتداول أرصدة الكربون تأثير كبير على السوق الطوعية، التي تشمل الشركات غير الملزمة قانونياً بتحقيق أهداف مناخية محددة.
تتوقع بعض الدراسات أن تصل قيمة السوق الطوعية إلى مليارات الدولارات إذا تم ربط مشروعات الكربون الطوعية بالنظام المركزي للأمم المتحدة، يمكن لمشروعات مثل استعادة الغابات أو زراعة المانجروف أن تبيع أرصدتها في هذا السوق، ما يوفر لها فرص تمويل إضافية.
إذا تم تفعيل النظام بشكل فعّال في مؤتمر (كوب29) فإنه قد يسهم في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة التغير المناخي عبر تفعيل آلية تداول أرصدة الكربون، لكن هناك حاجة ماسة إلى ضمان توافر الحماية الكافية لضمان الشفافية والفعالية في هذه الآلية، وهو ما سيحدد النجاح طويل المدى في تحقيق أهداف اتفاقية باريس.