تتنافس الدول في العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لكن الريادة في هذا المجال التقني تتنازع عليها أميركا والصين، وتسعى واشنطن لتأكيد ريادة للعالم من خلال التربع على عرش الذكاء الاصطناعي بينما تريد بكين إثبات أنها خرجت من ظلال أميركا وأصبحت لها الريادة العالمية. وقال مستشار وخبير في التحوّل الرقمي والأمن السبراني رولاند أبي نجم إن «أبرز إنجازات الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي خلال النصف الأول من 2025 هو توقيع الرئيس أمراً تنفيذياً يسرّع بناء مراكز بيانات ضخمة مخصّصة للذكاء الاصطناعي ما يرسخ تفوّق أميركا في مجال البنية التحتية».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
أميركا وريادة الذكاء الاصطناعي
وخلال النصف الأول من عام 2025 كان الذكاء الاصطناعي أولوية البلدين لكن مع اختلاف في الرؤى، فنصب تركيز أميركا على الاستثمار في البنية التحتية ومراكز البيانات ولعل أبرز مثال هنا هو مشروع سترجيت بالتعاون بين أوبن إيه آي وأوراكل وسوفت بنك باستثمارات بقيمة 500 مليار دولار.
وأضاف أبي نجم «في مجال تطوير الشرائح والأجهزة، هناك تقدّمٌ نوعي خاصة لدى شركة إنفيديا، أما في مجال تطوير البرامج وأدوات الذكاء الاصطناعي، فهناك تفوّق نوعي لدى الشركات الأميركية وخاصة شركة أوبن إيه آي مع إطلاق شات جي بي تي 5 بقدرات متعددة ودقة أعلى في التفكير المنطقي بالإضافة إلى إطلاق ميزات جديدة وحديثة من جروك وغيميني وكوبيلت».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ولعل أبرز إنجازات أميركا في قطاع الذكاء الاصطناعي في الفترة الأخيرة كان مع مايكروسوفت عندما تفوق نظام MAI-DxO الجديد على الأطباء في تشخيص الحالات الطبية المعقدة محققاً دقة بلغت 85.5 في المئة مقارنة بـ20 في المئة للأطباء.
وقال عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا، د. محمد عزام «أميركا تستثمر قرابة 700 مليار دولار سنوياً في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي لضمان ريادتها خاصة في ظل المنافسة مع الصين والتي بدأت منذ فترة الرئيس دونالد ترامب الأولى في عام 2018».
وأضاف عزام «وضعت واشنطن محاذير وأنواعاً من المعوقات لانتقال هذه النوعيات من التكنولوجيا والتكنولوجيا المصاحبة من أميركا إلى الصين خصوصاً في مجال المعالجات السريعة وفي مجال علوم البيانات وعلوم المواد».
إنجازات الصين في الذكاء الاصطناعي
وتابع عزام في «عام 2015 قالت الصين إنها بحلول عام 2025 ستصبح الأولى عالمياً في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وعلوم المواد»، معقباً «تريد الصين التحول من اقتصاد قائم على التصنيع البسيط أو التصنيع غير المتقدم إلى أن تكون مالكة ومصدرة للتكنولوجيا».
وقال عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا «تستثمر الصين 500 مليار دولار سنوياً في بحوث وتطوير الذكاء الاصطناعي».
وفي السياق نفسه قال أبي نجم «أبرز إنجازات الصين في الذكاء الاصطناعي خلال النصف الأول من 2025 فتوزّعت في عدة مجالات أيضاً منها استخدام الذكاء الاصطناعي خارج المدار الأرضي، أي في الفضاء، ما يقلّل الحاجة للتحكم الأرضي، وأيضا في الطب والرعاية الصحية إذ افتتحت أول مستشفى يعمل بـ14 طبيباً رقمياً بالكامل و4 ممرضات بالذكاء الاصطناعي، قادرين على تشخيص وعلاج ما يصل إلى 3 آلاف مريض يومياً».
كما دمجت بكين الذكاء الاصطناعي في المقررات التعليمية بجميع المراحل الدراسية من الابتدائية حتى الثانوية، بالإضافة لهذا تستخدم الصين تقنيات الذكاء الاصطناعي في استكشاف أعماق المحيطات من خلال برنامج (Deep-Sea digital intelligence).
وحققت الصين تقدماً كبيراً في مجال الروبوت إذ نظمت أول مباراة كرة قدم آلية بالكامل في بكين بيونيو 2025 بالإضافة لتقديم شركة إنجين إيه آي لروبوت تمكن من تنفيذ قفزة أمامية (front flip) في علامة على تحسين التحكم الحركي.
كل هذا مع تقديم تطبيقات ذكاء اصطناعي مثل ديب سيك وكيمي وكوين تنافس نظيرتها الأميركية وبتكلفة أقل بكثير.
مَن الفائز بين الصين وأميركا؟
وبخصوص تخفيف أميركا القيود على تصدير الرقائق إلى الصين قال مستشار وخبير في التحوّل الرقمي والأمن السيبراني «يجب التذكير أن التخفيف هو جزئي وشمل أدوات تصميم الرقائق وبعض البرمجيات وليس شرائح GPU المتقدمة نفسها، هذا يعني أن الصين ستتمكّن من تسريع التصميم الداخلي ولكنها ستظل تحتاج إلى بدائل محلّية ما يعطي أفضلية حتى الآن للولايات المتحدة الأميركية ولكن هذا التخفيف هو فرصة الصين لتحسين كفاءة سلسلة الإمداد والإسراع في إنتاج شرائح لمنافسة أميركا ما يخفض تكلفة تشغيل نماذجها المفتوحة ويزيد استقلاليتها، أما بالنسبة لأميركا فلا تزال تملك الأفضلية بسبب امتلاكها لشرائح بقدرات هائلة».
وأضاف أبي نجم «التفوق الأميركي النوعي ما زال في الحوسبة الفائقة والنماذج متعددة الوسائط لدى شركات مثل أوبن إيه آي وإنفيديا ومايكروسوفت وغيرها حيث يملكون أحدث العتاد والخوارزميات، أما بالنسبة للتفوق الصيني فهو يظهر في سرعة الانتشار والتطبيق الجماهيري بفضل مركزية القرار».
وتابع أبي نجم «يبقى بالنسبة لي أن الصين وأميركا بحاجة بعضهم حيث إن الصين بحاجة للتكنولوجيا الأميركية وأميركا بحاجة للسوق الصيني حيث يعتبر ثاني أكبر سوق للمنتجات الأميركية بالإضافة إلى أن معظم مصانع الشركات الأميركية هي في الصين».
من جانبه يرى عزام أن «الصين في خلال الفترة التي فاتت أصبحت صاحبة نصيب الأسد من تسجيل براءات الاختراعات وعدد براءات الاختراعات التي تقدمها الصين سنوياً نحو 1.5 مليون براءة اختراع مقابل 500 ألف من الولايات المتحدة وهذا يشير إلى اتجاه تفوق الصين».
وأضاف عزام «شركة هواوي وحدها تصدر 6 آلاف براءة اختراع سنوياً وهو ما يكافئ عدد براءات الاختراع لدولة بولندا»، مشددة «الصين تركز بشدة على قطاع الذكاء الاصطناعي».
وأوضح عزام «كلا الدولتين موقنة تماماً أن إنتاج التكنولوجيا سوف يجعلها ذات قدرات اقتصادية كبيرة جداً وبالتالي ستحقق نمواً وريادة في المجالات الاقتصادية والمجالات العسكرية والمجالات الطبية»، معقباً «التكنولوجيا المدنية تهيمن على كل مجالات حياتنا، ومن يمتلك تلك التكنولوجيا يسود العالم».
ويرى عزام «في هذه اللحظة الصين المتقدمة في سباق الذكاء الاصطناعي عن أميركا، لكن في أي لحظة كما في أي سباق يكون هناك تبادل للمراكز لذا سنرى المزيد من الاستثمارات في التكنولوجيات البازغة وتطبيقاتها في جميع المجالات بين الدولتين فكلتاهما يريد أن يكون في مقدمة السباق وليس في آخر السباق».