يبدو أن الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين يتطور مع مرور الوقت، لأكثر من 40 عاماً أسفرت اتفاقية تاريخية بين الولايات المتحدة والصين عن تعاون عبر مجموعة من المجالات العلمية والتكنولوجية.

الآن، مع سوء العلاقات الثنائية بين البلدين، يدور نقاش داخل الحكومة الأميركية حول إمكانية إنهاء اتفاقية العلوم والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين، في 27 أغسطس آب من العام الجاري.

وُقِّعت الاتفاقية عند بدء العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن عام 1979، وتجددت كل خمس سنوات منذ ذلك الحين، لتضع حجر الأساس لازدهار التبادلات الأكاديمية والتجارية.

أسهمت هذه التبادلات في دعم الصين على الصعيد التكنولوجي، لكن انتشرت بعض المخاوف بشأن سرقة بكين الإنجازات العلمية والتجارية الأميركية.

قال النائب مايك غالاغر، الرئيس الجمهوري للجنة المختارة بالكونغرس بشأن الصين «إن تجديد اتفاقية العلوم والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين سيعرض فقط أبحاثنا وملكيتنا الفكرية للخطر، لذا يجب على الإدارة أن تترك هذه الاتفاقية التي عفا عليها الزمن».

الشكوك تحوم حول الاتفاقية

قال بعض المسؤولين وفقاً لرويترز، إن هناك آراءً متضاربة داخل الحكومة الأميركية حول ما إذا كان يجب تجديد الاتفاقية أو تركها تنتهي أو إعادة التفاوض لإضافة ضمانات ضد التجسس الصناعي، وتتطلب المعاملة بالمثل في تبادل البيانات.

وقالوا إنه بالنظر إلى حالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فإن محاولة إعادة التفاوض قد تعرقل الاتفاقية.

لطالما اشتكت الشركات الأميركية من سياسات الحكومة الصينية التي تتطلب تبادل التكنولوجيا، ويحذِّر الخبراء من السرقة التي ترعاها بكين لكل شيء بداية من بذور محاصيل مونسانتو، وصولاً إلى بيانات حول تصميمات مكوك الفضاء التابع لناسا.

الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين سلاح لحرب باردة

شحذت إدارة الرئيس جو بايدن التركيز على المنافسة التكنولوجية، وقال المنسق الأميركي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كورت كامبل، في منتدى معهد هدسون في يونيو حزيران «ستكون التكنولوجيا هي الحلبة المتطورة للمنافسة العالمية في الفترة المقبلة بالطريقة التي كانت بها الصواريخ النووية هي السمة المميزة للحرب الباردة».

يجادل مؤيدو تجديد الصفقة، موضحين أن الولايات المتحدة ستفقد نظرة ثاقبة للتقدم التكنولوجي للصين في حالة إنهائها.

قال دينيس سيمون، الأستاذ في جامعة نورث كارولينا وفقاً لرويترز إن «الولايات المتحدة سواء كانت صديقة للصين أو عدواً، فهي تحتاج إلى الوصول إلى بكين لفهم ما يحدث على أرض الواقع».

قالت آنا بوغليسي، المسؤولة السابقة في مجال مكافحة التجسس في الولايات المتحدة وزميلة مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون «إن هناك تساؤلات حول ما يمكن أن يحققه تجديد الاتفاقية في وقت تغطي فيه قوانين الأمن القومي الصينية الآن تصدير البيانات، وتتخذ واشنطن خطوات للحد من وصول الأجانب إلى قواعد بياناتها الأكاديمية المحلية».

وأضافت «يجب أن تكون هناك شفافية، وأن تكون هناك معاملة بالمثل».

تضييق الخناق على «تيك توك»

امتد الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين إلى التطبيق الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة، ففي مارس آذار، خضع الرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك»، شو زي تشيو، للاستجواب للمرة الأولى أمام الكونغرس الأميركي، حول مزاعم بخطورة التطبيق على الأمن القومي.

قبل خضوعه للاستجواب، ذهب تشيو -الذي نادراً ما يجرى مقابلات- في جولة إعلامية في الولايات المتحدة. التقى المشرعين وأجرى عدداً من المقابلات، بهدف إنقاذ التطبيق، مؤكداً أن «تيك توك» أصبح ضرورياً للثقافة الأميركية وللمبدعين وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين يعتمدون الآن على التطبيق في معيشتهم.

وأعرب المشرعون عن شكوكهم العميقة بشأن محاولات «تيك توك» حماية بيانات المستخدم الأميركية وتخفيف المخاوف بشأن علاقاتها مع الصين. كما دعوا إلى حظر وطني للتطبيق؛ بسبب مخاوف بشأن علاقاته بالصين من خلال شركتها الأم «بايت دانس»، وبالفعل أقرت ولاية مونتانا حظراً ليدخل حيز التنفيذ مع بداية العام المقبل؛ في خطوة تصعد الخلاف إذ يشمل هذا الحظر كل الحسابات وليس الحسابات الحكومية فقط.

بيل غيتس في أول زيارة لبكين منذ 2019

بيل غيتس يلتقي الرئيس الصيني

ذهب المؤسس المشارك لشركة «مايكروسوفت» بيل غيتس، خلال الأسبوع الجاري، في أول رحلة له إلى العاصمة الصينية بكين منذ 2019 قبل الجائحة، والتقى غيتس بالزعيم الصيني شي جين بينغ، يوم الجمعة، في أول اجتماع شخصي معروف للأخير مع شخصية أعمال غربية منذ سنوات، فهل يمكن أن يشكل ذلك تطوراً في طبيعة العلاقات التكنولوجية بين البلدين؟

قال مصدران مطلعان لرويترز، إن بينغ ناقش الانتشار العالمي للذكاء الاصطناعي مع غيتس، كما رحّب بالشركات الأميركية بما فيها «مايكروسوفت» التي تعمل في الصين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، موضحاً أهمية تقديم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة إلى البلاد.

وتدعم «مايكروسوفت» شركة «أوبن إيه آي» المطورة لأداة «تشات جي بي تي» التي أثارت جدلاً عالمياً حول إمكانات الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من عدم حظر «تشات جي بي تي» في الصين، فإن الشركة المطورة له لا تسمح للمستخدمين في بعض الدول مثل الصين وهونغ كونغ بتسجيل الدخول.

لكن في الوقت ذاته، حذرت «مايكروسوفت» من سعي المتسللين الصينيين إلى تعطيل الاتصالات المهمة بين أميركا وآسيا، في حالة حدوث أزمة أميركية صينية مستقبلية.

المداهمات على الشركات الأجنبية

لم تحتدم التوترات بين واشنطن وبكين بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات المتقدمة فقط، فقد ازدادت غارات المسؤولين الصينيين على الشركات الدولية.

وكانت حملات المداهمة الأمنية لمقرات الشركات الأجنبية لأهداف تتعلق بأمن البيانات، قد زادت مطلع مايو أيار من فجوة الثقة بين الغرب والصين.

شملت هذه المداهمات شركتي «كيب فيجن» و«باين أند كو» للاستشارات، و«أستيلاس فارما» للأدوية وشركة «مينتز» لأعمال الفحص الفني للشركات.

صراع الرقائق الإلكترونية

منذ أكتوبر تشرين الأول من العام الجاري، فرضت واشنطن قيوداً شديدة على تصدير الرقائق ومعدات تصنيع الرقائق المتقدمة إلى الصين، في محاولة لعزل بكين عن الوصول إلى التكنولوجيا الحيوية للأغراض العسكرية.

في مارس آذار، أعلنت اليابان وهولندا، وهما حليفان رئيسيان للولايات المتحدة، قيوداً على المبيعات الخارجية لتكنولوجيا تصنيع الرقائق إلى دول من بينها الصين.

من جهتها، تملك الصين شركات تصنيع الرقائق الخاصة بها، لكنها توفّر في الغالب معالجات منخفضة إلى متوسطة تستخدم في الأجهزة المنزلية والمركبات الكهربائية.

بدورها، تراجع إنتاج الولايات المتحدة للرقائق وأشباه الموصلات إلى 10 في المئة بعدما كانت 40 في المئة، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنه يسعى لإعادة واشنطن إلى صدارة الدول المصنعة للرقائق الدقيقة وأشباه الموصلات، موضحاً أن إدارته قد اتخذت العديد من الخطوات في سبيل تحقيق هذا.

ونشر بايدن في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» «اعتدنا إنتاج ما يصل إلى 40 في المئة من حجم الرقائق الدقيقة في العالم، لكننا اليوم ننتج 10 في المئة فقط».

تغريدة بايدن

وأضاف «حالياً استثمرت شركات أشباه الموصلات أكثر من 200 مليار دولار منذ بداية فترتي الرئاسية من أجل إعادة الإنتاج إلى أميركا»، مشدداً «إننا نغير مسار الأمور».

وفي مايو أيار، كانت الولايات المتحدة أعضاء آخرون في مجموعة الدول السبع، قد وافقوا على تقليص التعامل التجاري مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم في كل شيء من الرقائق إلى المعادن.

كان القرار الصيني المفاجئ بحظر صادرات الرقائق الذكية التي تُصنّعها شركة « ميكرون» الأميركية، بعد أن اعتبرتها الصين «خطراً على أمنها القومي»، قد انعكس فوراً على أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية.

يأتي ذلك في وقت ارتفعت فيه أسهم المنافسين الآسيويين، لا سيما أن «ميكرون» من أكبر مُصنّعي الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، علماً أنها سبق أن أعلنت تكثيف استثماراتها في اليابان بنحو أربعة مليارات دولار، بعد عدة أيام من تعرض واردات الشركة من الرقائق للتدقيق من قبل السلطات الصينية.

من جهتها، قالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، تعليقاً على الحظر، إن الولايات المتحدة «لن تتسامح» مع الحظر الفعال الذي تفرضه الصين على شراء رقائق الذاكرة التي تصنعها شركة ميكرون تكنولوجي الأميركية.

لماذا انضمت بعض الدول إلى الصراع؟

قررت البرازيل عدم الانحياز إلى طرف في الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين المتمثل في حرب الرقائق الإلكترونية، وقال كبير مستشاري الرئيس البرازيلي للشؤون السياسية، سيلسو أموريم، إن بلاده تسعى للحصول على التكنولوجيا والاستثمار الصيني لتطوير صناعة أشباه الموصلات في الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

يأتي هذا على الرغم من محاولات واشنطن ثني برازيليا عن التعامل مع بكين في هذا المجال.

وأضاف أن البرازيل لا تستطيع أن تنحاز إلى جانب في التوترات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة.

وترغب برازيليا في بناء سياسة خارجية متوازنة مع أكبر شريكين تجاريين لها -الولايات المتحدة والصين- على الرغم من التوترات المتزايدة بينهما.

الأمر اختلف مع هولندا، أكبر دولة أوروبية منتجة لتكنولوجيا الرقائق الإلكترونية المتطورة، التي قررت أن تقف إلى جانب الولايات المتحدة، في مواجهتها مع الصين.

وأعلنت هولندا، في خطاب أرسله وزير تجارتها إلى البرلمان، عن حاجتها إلى فرض قيود جديدة على المبيعات الخارجية لتكنولوجيا أشباه الموصلات لحماية أمنها القومي.

ستؤثر تلك القيود على الشركة الهولندية «إيه إس إم إل» القابضة، وهي أكبر شركة تكنولوجيا في أوروبا ومورد أساسي لأشباه الموصلات الضرورية لصناعة الرقائق الإلكترونية، إذ قد تعوق تلك القيود توريد أشباه الموصلات إلى صناع الرقائق في العالم، ومن بينها الصين.