هل فكرت يوماً كيف سيبدو العالم بدون إنترنت؟ يكفي تأمل حالة الفوضى والشلل التي أصابت أستراليا هذا الأسبوع بعد انقطاع خدمات الجوال والإنترنت عن نحو نصف سكان البلاد للتعرف على مدى سيطرة الاتصالات على جميع مناحي الحياة.
ففي صباح يوم الأربعاء، استيقظ ما يقرب من نصف الأستراليين على انقطاع تام لخدمات الجوال والإنترنت المقدمة من شركة أوبتس، ثاني أكبر شركة اتصالات بالبلاد، لترسم سيناريو مخيفاً لما يمكن أن يصبح عليه العالم بدون الشبكة العنكبوتية.
شلل تام
توفر عملاقة الاتصالات السنغافورية أوبتس نحو 40 في المئة من اتصالات الإنترنت في أستراليا، الأمر الذي أعاق ملايين الأستراليين عن ممارسة حياتهم الطبيعية عندما انقطعت الخدمة بشكل شبه كامل لمدة 9 ساعات.
يشكل الإنترنت نقطة فارقة في حياة الأستراليين، فالمجتمع الأسترالي يعتمد على خدمات الإنترنت في جميع مناحي الحياة تقريباً، بداية من شراء الأغراض، ودفع ثمن البضائع، وحجز رحلات التنقل والسفر، حتى الحصول على خدمات الرعاية الطبية.
وفي عام 2023، وصل عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد إلى نحو 24.2 مليون شخص في دولة يبلغ عدد سكانها 26.5 مليون نسمة.
وفي هذا اليوم الفوضوي، شعر الأستراليون بالشلل التام في جميع أمورهم اليومية ليدركوا إلى أي مدى أصبحوا أمة تعتمد كلياً على الشبكة العنكبوتية، فكيف قد تصبح حياتهم إذا فقدوا هذا الشريان الحيوي فجأة؟
فحتى المريض الذي يريد صرف وصفة طبية من الصيدلية يحتاج إلى الإنترنت لصرف تذكرة العلاج الإلكترونية.
وهو ما حدث بالفعل مع الأسترالي المتقاعد كريس روجرز، فعندما أراد صرف مسكنات الألم للإصابة التي تسببت في تقاعده، اضطر للتحامل على نفسه وقيادة سيارته حتى الصيدلية، ورغم ذلك لم يتمكن من صرف العلاج لعدم إمكانية تحميل الروشتة إلكترونياً واضطر للانتظار لدى الصيدلي لفترة طويلة، وقال روجرز لوكالة رويترز إنه لم يرَ مثل هذه الفوضى من قبل.
أرجع البعض هذا العطل إلى فشل الشبكة الأساسية لشركة الاتصالات، ما انعكس سريعاً على أسهم الشركة التي انخفضت أسعارها بشكل كبير.
ونفت الشركة احتمالية أن يكون العطل ناتجاً عن عملية قرصنة، وقالت الرئيسة التنفيذية للشركة، كيلي باير روزمارين «أنظمتنا مستقرة للغاية في الواقع، ونحن نقدم تغطية رائعة لعملائنا، وهذا أمر نادر للغاية».
يوم بلا إنترنت
مع تقدم التكنولوجيا، ارتبطت كل نظم المؤسسات والقطاعات بشبكات الإنترنت، حتى الفرد العادي أصبح معتمداً على الإنترنت في أبسط أمور حياته، إذ يعتمد على خرائط غوغل مثلاً للوصول لمكان قريب من منزله.
ووفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة (أطلس في بي إن) لخدمات الشبكات الافتراضية الخاصة، فإن يوماً واحداً بلا إنترنت قد يكلف العالم نحو 43 مليار دولار نتيجة اعتمادنا كلياً على وسائل الاتصال وشبكات الإنترنت، وتشكل الولايات المتحدة والصين معاً ما يقرب من نصف هذا المبلغ.
واعتمدت الشركة في تقريرها على أداة (نت بلوكس) الحديثة التي تقيم الأثر الاقتصادي لانقطاع الإنترنت باستخدام بيانات البنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات ويوروستات ومكتب الإحصاء الأميركي.
تأثر الشركات
تدفقت تقارير لا حصر لها من الشركات المتضررة من انقطاع الاتصالات وخدمة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، وكانت شركة أوبر والشركات الصغيرة من أكثر المتضررين بسبب انقطاع الخدمة.
فالشركات أصبحت غير قادرة على استقبال الطلبات أو المدفوعات الإلكترونية، واضطرت إلى التعامل نقداً.
وكشف أصحاب الشركات الصغيرة لرويترز أنهم سمحوا لعملائهم الدائمين بسداد مدفوعاتهم لاحقاً بمجرد استعادة الإنترنت، أما العملاء الآخرون فاضطروا إما للحضور للمتجر والشراء نقداً أو تأجيل مشترياتهم لحين عودة الإنترنت.
وتكبدت المشاريع الصغيرة مثل المقاهي والمطاعم، التي تعتمد على قدوم الزبائن في الصباح الباكر لتناول الإفطار أو احتساء القهوة، خسائر كبيرة في المبيعات في ذلك اليوم لعدم تمكن الزوار من إجراء طلباتهم أو دفع الفواتير.
في السنوات الثلاث الأخيرة حتى عام 2022، انخفضت المعاملات النقدية الأسترالية إلى النصف لتصل إلى 16 في المئة، إذ أدت القيود الناتجة عن جائحة كورونا إلى تسريع الاتجاه نحو المدفوعات غير التلامسية، وفقاً لبنك الاحتياطي الأسترالي، أيضاً تظهر البيانات الحكومية أن ربع المواعيد الطبية يتم حجزها عبر الإنترنت أو الهاتف.