عندما اشتهر تطبيق تيك توك في عام 2020 -بمقاطع فيديو رقص قصيرة أو مقاطع كوميدية، لتقدم الترفيه الذي كان مطلوباً من قبل العديد من المستخدمين في بداية جائحة كورونا- انطلق وقتها سباق بين التطبيقات لتقديم خاصية الفيديوهات القصيرة.
وفجأة، سارعت منصات فيسبوك وإنستغرام من ميتا، ويوتيوب من غوغل وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي إلى طرح منتجات مماثلة، ما شجع المستخدمين على إنشاء مقاطع فيديو تصل مدتها إلى دقيقة واحدة والتي تُعرض على الشاشات الإلكترونية في شكل الفيديو الرأسي، لتنتشر على صفحات التواصل أمام تمريرات المستخدمين مع توصيات لا حصر لها لما يجب مشاهدته بعد ذلك.
أمضت تلك المنصات الأخرى السنوات التالية في محاولة اللحاق بشعبية تيك توك، خاصة بين فئة المراهقين المهمة.
تيك توك يغير اتجاهه
ولكن الآن، تعمل شركة الفيديو القصير الرائدة على تغيير مسارها وتدفع المستخدمين إلى إنشاء واستهلاك مقاطع فيديو أطول، وستتخلص تيك توك رسمياً من «صندوق المبدعين» الأصلي الذي يسمح لمنشئي المحتوى بجمع الأموال، وسيتعين على منشئي المحتوى الذين يرغبون في تحقيق الدخل من المحتوى الخاص بهم الانضمام إلى «الإصدار التجريبي الجديد من برنامج الإبداع»، والذي بموجبه سيتعين عليهم إنشاء مقاطع فيديو أطول من دقيقة واحدة إذا كانوا يريدون الحصول على أموال من خلال التطبيق.
أُطلق تيك توك في عام 2016، وتطور ليصبح واحداً من أكثر منصات التطبيقات الاجتماعية والفيديو شعبية حول العالم.
في عام 2021، كان لدى تيك توك ما يقرب من 656 مليون مستخدم عالمي، وكان من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنحو 15 في المئة على أساس سنوي، ليصل إلى 755 مليون مستخدم في عام 2022.
بلغت عمليات تنزيل تيك توك على الأجهزة الإلكترونية حول العالم ذروتها في نهاية عام 2019، إذ حصد التطبيق أكثر من 318 مليون عملية تنزيل.
خلال عامي 2020 و2021، شهدت اتجاهات تنزيل تيك توك نمواً أبطأ، إذ جمعت 173 مليون عملية تنزيل من المستخدمين حول العالم خلال الربع الأخير من عام 2021.
تحول اتجاهات تيك توك
يعد تحول تيك توك إلى المحتوى الأطول في بعض النواحي بمثابة تحول في الاتجاهات، فهو الآن يتبع أقرانه القدامى في تنسيق محتوى غالباً ما يكون أكثر ربحية.
يمكن أن تشجع الاستراتيجية أيضاً المستخدمين على قضاء المزيد من الوقت في استخدام أحد التطبيقات التي يقول بعض المراهقين إنهم يستخدمونها «بشكل مستمر تقريباً».
لكن بعض منشئي المحتوى على تيك توك يشعرون بالإحباط من هذه الخطوة، ويشعرون بالقلق من أنها ستقلل من ميزة جعلت تيك توك في البداية أكثر شعبية، وهي القدرة على التمرير بسرعة عبر الكثير من أنواع المحتوى المختلفة، وأن يتمكن أي شخص تقريباً من إنشاء مقاطع فيديو بسهولة دون تخطيط مسبق أو إتاحة موارد مكثفة.
قالت نيكي أبوستولو، منشئة محتوى تيك توك لديها ما يقرب من 150 ألف متابع والمعروفة باسم (recycldstardust)، والتي تصنع محتوى حول تاريخ وثقافة الأميركيين الأصليين على التطبيق، «ليس لدي دائماً دقيقة واحدة من المحتوى».
وأضافت «أشعر أن هناك الكثير من منشئي المحتوى الذين أتوا إلى تيك توك لأنه كان تطبيق فيديو قصير، والآن يريدون أن يصبحوا مثل (يوتيوب مصغر)، وأشعر أنه يستبعد المبدعين الذين جاؤوا إلى هناك من أجل المحتوى القصير».
وقال المتحدث باسم تيك توك، زاكاري كيزر، في بيان إن الشركة طورت برنامج الإبداع الجديد «بناءً على الدروس المستفادة والتعليقات التي اكتسبناها من صندوق منشئي المحتوى السابق».
وتابع «وبينما نواصل تطوير طرق جديدة لمكافأة المبدعين وإثراء تجربة تيك توك، فإننا نقدر التعليقات والرؤى المباشرة من مجتمعنا للمساعدة في اتخاذ قراراتنا المستنيرة».
قالت كريستين ستاين، باحثة في الدراسات الإعلامية النقدية في جامعة إلينوي شيكاغو «كان نموذج الفيديو القصير مفيداً حقاً عند إطلاق تيك توك لأول مرة، إذ كان بإمكانهم جذب الأشخاص بسرعة كبيرة إلى المنصة، بينما يقوم بالتمرير المستمر متصفحاً بسرعة خلال التطبيق».
وتقول شتاين «أعتقد أن تيك توك الآن [يفكر]، نحن بحاجة إلى أن نظهر [للمعلنين] أنه يمكننا إبقاء الأشخاص على مقطع فيديو واحد لفترة أطول»، وأضافت «لكنني مهتمة بمعرفة كيفية استجابة المشاهدين لهذا، لأن ما أبقاهم على التطبيق هو أن مقاطع الفيديو كانت قصيرة».
في أكتوبر تشرين الأول 2023، كانت الولايات المتحدة هي الدولة التي تتمتع بأكبر جمهور لتيك توك حتى الآن، حيث يتفاعل أكثر من 143 مليون مستخدم مع منصة الفيديو الاجتماعي الشهيرة، تليها إندونيسيا بنحو 106 ملايين مستخدم لتيك توك، وجاءت البرازيل في المركز الثالث حيث يشاهد ما يقرب من 95 مليون مستخدم على تيك توك مقاطع فيديو قصيرة.
استراتيجية تيك توك لشكل الفيديو الطويل
على مدى السنوات الثلاث الماضية، طرح تيك توك بشكل مستمر القدرة على نشر مقاطع فيديو أطول على التطبيق، ما أدى إلى زيادة الحد الزمني من دقيقة واحدة إلى مقاطع فيديو مدتها ثلاث وخمس دقائق وفي النهاية 10 دقائق.. تختبر المنصة الآن عمليات تحميل مدتها 15 دقيقة، على الرغم من أنها ليست متاحة على نطاق واسع.
في الشهر الماضي، أبلغت المنصة المبدعين بأنها ستغلق صندوق منشئي المحتوى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، مما لا يترك لهم خياراً سوى الانضمام إلى برنامج الإبداع الجديد إذا أرادوا الاستمرار في الحصول على أموال من تيك توك مقابل أعمالهم من محتوى.
وبموجب البرنامج الجديد، يمكن لمنشئي المحتوى البالغين الذين لديهم عشرة آلاف متابع أو أكثر أن يكسبوا أرباحاً من التطبيق مقابل مقاطع فيديو أطول من دقيقة واحدة وتلبي عدداً من المعايير الأخرى.
قامت تيك توك بترويج البرنامج لمنشئي المحتوى من خلال تسليط الضوء على أن مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة واحدة تشجع المشاهدين على قضاء المزيد من الوقت في المحتوى الخاص بهم و«بناء الثقة… من خلال المزيد من الاتصال والمعلومات والمحتوى التعليمي»، وفقاً لما نشرته مدونة حديثة من الشركة.
قالت تيك توك أيضاً إن منشئي المحتوى يجب أن يتوقعوا الحصول على أموال أكثر لكل مقطع فيديو بموجب برنامج الإبداع الجديد، وقد نشر بعض منشئي المحتوى بالفعل أخباراً عن جني آلاف الدولارات في الأشهر الأولى لهم في البرنامج.
قال أحد منشئي المحتوى، المعروف باسم (Justine’s Camera Roll)، في مقطع فيديو نُشر في أكتوبر تشرين الأول حول البرنامج إن الأجر كان «مبلغاً كبيراً من المال مقابل شيء كنت أفعله مجاناً».
بالنسبة للشركة، قد يكون دفع المحتوى الأطول قراراً تجارياً جيداً.
وقال سكوت كيسلر، قائد قطاع التكنولوجيا في شركة الأبحاث ثيرد بريدج «من الأسهل كثيراً تحقيق الدخل من المحتوى عندما يكون طويلاً… هناك المزيد من الاحتمالات مع الإعلانات وتحقيق الدخل، بما في ذلك الإعلانات التي يتم عرضها قبل مقاطع الفيديو أو خلالها».
من المرجح أيضاً أن يشاهد المستهلكون إعلاناً ما قبل التشغيل لمقطع فيديو تزيد مدته على دقيقة واحدة مقارنة بمقطع فيديو يبلغ طولُه طولَ الإعلان نفسه تقريباً.
ولطالما كان تيك توك أيضاً مكاناً يمكن لمنشئي المحتوى من خلاله استخدام مقاطع قصيرة، مقترنة بخوارزمية الاكتشاف القوية للمنصة، لتوجيه المشاهدين إلى المحتوى الأطول الخاص بهم على مواقع أخرى مثل يوتيوب.
قال كيسلر «أعتقد أن ما يريدون فعله هو أن يكونوا قادرين على القول: مرحباً أيها المبدعون، يمكنكم وضع الفيديو الكامل هنا، وليس فقط أول 30 ثانية».
تعلم كيفية إنشاء محتوى أطول
ومع ذلك، يقول بعض المبدعين إنهم انضموا إلى تيك توك -بدلاً من يوتيوب أو منصات أخرى- على وجه التحديد لأنهم أرادوا إنشاء محتوى قصير، وإن التغييرات قد تجعل من الصعب عليهم كسب لقمة العيش من التطبيق بالشكل الجديد الذي اختاروه.
قالت آلي تابيزون إن تحقيق الدخل من مقاطع الفيديو الخاصة بها على تيك توك قد «غيّر حياتها» منذ أن بدأت استخدام التطبيق قبل أربع سنوات، ما سمح لها بتقليص ساعات عملها وقضاء المزيد من الوقت مع ابنها.. غالباً ما تكون مقاطع الفيديو الخاصة بها حول علم التنجيم أقل من 10 ثوانٍ.
ومع برنامج الإبداع الجديد، كانت هي وبعض المبدعين مترددين بشأن التغييرات.
وقالت تابيزون لشبكة CNN الشهر الماضي «أنا خائفة حقاً لأنني أشاهد مئات مقاطع الفيديو على يوتيوب لأشخاص يعملون على تيك توك وينشرون عن الخوارزميات الجديدة، وأحاول أن أبقى على اطلاع بكل شيء، ومما تعلمته فإن مدة التركيز للجيل الجديد تتراوح ما بين 8 و10 ثوانٍ»، وتابعت «حتى أنا، عندما أرى مقطع فيديو مدته دقيقة واحدة، إذا لم يكن شخصاً أتابعه لفترة من الوقت، فمن المحتمل أن أتجاوزه ولا أكمل المشاهدة».
قد يعني ذلك الاضطرار إلى العمل بجدية أكبر للتوصل إلى محتوى أطول يرغب متابعوها البالغ عددهم 1.2 مليون وآخرون في مشاهدته.. ومع ذلك، بدأت تابيزون باختبار المزيد من مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة واحدة، وقالت عن البرنامج الجديد «إذا كان الأجر أكبر فأعتقد أن الأمر سيستحق ذلك».
يقول تيك توك إن منشئي المحتوى الذين يصنعون محتوى أطول في المتوسط قد زادت أرباحهم أكثر من الضعف في العام الماضي، وتقول الشركة أيضاً إنها توصي بمقاطع فيديو أطول بالطريقة نفسها التي توصي بها بمقاطع الفيديو الأقصر، بناءً على تفضيلات المستخدم بدلاً من طول الفيديو.
قالت لورا ريغل، منشئة محتوى تيك توك والمعروفة على التطبيق باسم (laurawiththecurls)، إن إنشاء مقاطع فيديو مسلية طويلة يمكن أن يتطلب المزيد من الموارد، وهو أمر لا يتوفر لدى جميع المبدعين.
وقد جمعت ريغل ما يقرب من 120 ألف متابع على التطبيق منذ عام 2020 من خلال مقاطع فيديو قصيرة وممتعة تعرض كل شيء بدءاً من نصائح العناية بالشعر وحتى الرقصات العصرية وتجارب استخدام فلاتر التطبيق.
وقالت إنه حتى عند إنشاء مقاطع فيديو بسيطة نسبياً «لوقت سرد القصة»، إذ تجلس وتتحدث إلى الكاميرا، فإن إنشاء مقاطع فيديو أطول من دقيقة واحدة يعني استثمار الكثير من الوقت والجهد.
أوضحت ريل «عليك أن تقطع الأشياء، وفي بعض الأحيان تقوم بإعادة تسجيل الشيء نفسه عدة مرات ثم يتعين عليك تجميع الأشياء معاً».
وأضافت «من المؤكد أن المحتوى الطويل يستهلك وقتاً أطول، وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لشخص مثلي لأنني أعمل بدوام كامل بالفعل، ولدي عائلة أعتني بها؛ لذلك ليس لدي الكثير من وقت الفراغ».
يوفر تيك توك أيضاً طرقاً لمنشئي المحتوى لكسب المال من مقاطع الفيديو الخاصة بهم بما يتجاوز صندوق تحقيق الدخل الخاص بالتطبيق، مثل الاشتراكات أو «النصائح» من المتابعين.
تقول الشركة إن أرباح المستخدمين عبر جميع ميزات تحقيق الدخل بالمنصة قد تضاعفت تقريباً خلال العام الماضي.
لكن بعض منشئي المحتوى يشككون في خيارات الدفع البديلة تلك، مثلما أشار أبوستولو، الذي قال «لا أجد تلك الأمور مستدامة وأشعر بالغرابة عندما أطلب من جمهوري [الدفع]».
(كلير دافي- CNN)