لا أحد ينكر أن الفيديوهات القصيرة الرأسية ذاع صيتها في السنوات الأخيرة، وخاصة بين الأجيال الجديدة التي تقضي العديد من الساعات يومياً مستخدمين هواتفهم الذكية، فلماذا لا يستغل الإعلام هذه المساحة لجذب جمهور جديد من أبرز سماته البحث عن المحتوى السريع الجاذب؟

آخر هذه الأجيال هو جيل زد (Z)، وهم الذين ولدوا بين عامي 1997 و2012، ويشكل هذا الجيل 26 في المئة من إجمالي السكان في جميع أنحاء العالم، وهو أول جيل نشأ مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية التي تعد جزءاً من حياتهم اليومية.

وتتراوح أعمار أكثر من 28 في المئة من سكان الشرق الأوسط بين 15 و29 عاماً، ويمثل هذا العدد أكثر من 108 ملايين شاب، ويشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً نحو 20 في المئة من السكان في 13 دولة عربية على رأسها مصر والسعودية، وفقاً لمؤسسة يوث بوليسي.

وناقشت إحدى جلسات مؤتمر (رابطة الأخبار على الإنترنت) بمدينة فيلاديلفيا الأميركية، كيفية تحويل غرف الأخبار لاستراتيجيات الفيديو الخاصة بها، من أجل الفوز بالمساحة الرأسية التي تهيمن عليها منصات تيك توك، وإنستغرام، وفيديوهات يوتيوب القصيرة، إلى جانب جذب الأجيال الجديدة.

البث الرأسي

وأوضحت جوني فاسيلياديس، نائب رئيس المحتوى بمنصة تيجنا بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة، أنه ليست كل قصة تتماشى مع الفيديوهات الرأسية القصيرة ويجب علينا توخي الحذر في اختيار القصص المناسبة مع طبيعة المنصات.

وأشارت فاسيلياديس إلى أنه ليس بالضرورة في البداية إنتاج محتوى مخصص لهذه المنصات، بل يمكن مبدئياً تحويل جزء من المقابلات الصحفية الطويلة المُصورة أفقياً، إلى فيديو قصير رأسي وبثه على تيك توك، وتابعت أنهم نشروا على منصاتهم فيديو أفقياً لمقابلة على يوتيوب مع أحد ضحايا الحريق والذي حظي بنحو ثمانية آلاف مشاهدة، وفي الوقت نفسه، بثوا فيديو رأسياً لأهم جزء بالمقابلة على المنصة نفسها وحظي بمليوني مشاهدة.

من المتوقع ارتفاع عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم إلى مستوى قياسي متجاوزاً 4.9 مليار شخص على مستوى العالم في عام 2023.

وأكثر أنواع المحتوى جاذبية على وسائل التواصل الاجتماعي هي مقاطع الفيديو القصيرة إذ تحتوي على كل من عنصري الإيجاز والأصالة للصدارة على وسائل التواصل الاجتماعي وفقاً لتقرير منصة اسبراوت سوشيال الأميركية، إذ تجذب مقاطع الفيديو القصيرة -التي تكون عادةً أقل من دقيقة- انتباه 66 في المئة من المستهلكين، وتتميز مقاطع الفيديو الصغيرة هذه بأنها قابلة للمشاركة بصورة كبيرة، كما أنها أكثر جاذبية بمقدار 2.5 مرة من مقاطع الفيديو الطويلة، ويفضل 34 من المستهلكين الفيديوهات أصيلة الصنع.

الأرشيف

ويقول جون كولوتشي، مؤسس منصة بلوانتينا بالولايات المتحدة، إن بإمكان المؤسسات ذات الأرشيف العريق إعادة استخدام هذا الأرشيف للأحداث الكبرى التي ما زالت تجذب اهتمام الجمهور في وقتنا الحالي، أو حتى القصص التي لا يعرف عنها الجيل الجديد شيئاً لأنه لم يعايشها، واستغلاله في الفيديوهات الرأسية القصيرة.

وأضاف أن هذه الاستراتيجية تجذب العديد من المتابعين وتزيد عدد المشاهدات، فكثير من الناس قد يجذبها الحنين إلى الماضي.

واتفق إرنستو موريلو نائب رئيس الأخبار الرقمية بتلفزيون هيرست، بولاية نيويورك الأميركية، مع كولوتشي، مضيفاً أن العديد من صانعي المحتوى على تيك توك يتبعون هذه الاستراتيجية، وخاصة عندما يتعلق الحدث بمجتمعات معينة.

وتابع موريلو أن استخدام الفيديوهات الأصلية أو الخام من الجمهور من موقع الحدث بعد التحقق منها مثل تصوير أول ثوانٍ من زلازل مدمرة، أو أول دقائق من فيضانات أو غيره من الكوارث الطبيعية التي يصعب على المؤسسات الإعلامية تصويرها قد تكون استراتيجية أخرى تجذب العديد من المتابعين.

استغلال المواهب

ويوضح موريلو أن تيك توك ليست منصة للأخبار في الأساس، بل هي وسيلة لمحاولة جذب الجمهور مرة أخرى إلى وسائل الإعلام عن طريق توصيل الأخبار والقصص بطريقة مبتكرة وشيقة تجذب جمهوراً جديداً.

وعلى وسائل الإعلام استغلال المواهب والطاقات الشابة لصنع محتوى يتوافق مع منصة تيك توك، فيمكن تقديم القصة بصورة جادة على المنصة الرسمية للموقع الصحفي أو التلفزيون وفي الوقت نفسه تُقدم بطريقة فكاهية على تيك توك، كما شجع التطبيق الصحفيين ذوي المواهب إنشاء حساب خاص بهم على تيك توك وحكي قصصهم الصحفية بطريقة مبتكرة.

زيادة التفاعل

ويمكن للمنصات الإعلامية تخطي أسلوب الوسيلة الإعلامية في السرد المرئي، واتباع الأساليب التي تتوافق مع الأجيال الجديدة كما توضح جوني فاسيلياديس، فمثلاً الرد على تعليق المتابعين بفيديو جديد على تيك توك للإجابة عن أسئلة الجمهور قد يزيد من التفاعل على المنصة، كما يمكن حث الجمهور وتوجيههم إلى الموقع الإلكتروني إذا أرادوا معرفة المزيد.

وأيضاً توجيه بعض مذيعي المحطة التلفزيونية لإنشاء محتوى على تيك توك قد يزيد من تفاعل الجمهور عند مشاهدة المحطة على التلفزيون حينها يصبح المذيع مألوفاً لدى المتابعين وقريباً منهم.

مراعاة طبيعة المنصة

الجمهور على تيك توك ليس محلياً، بل أصبح العديد من الناس يتابعون قصصاً متنوعة خاصة ذات الاهتمام العالمي كما يوضح جون كولوتشي، ولأن تيك توك ليست منصة للأخبار كما ذكرنا فعلينا الموازنة بين الأصالة والمهنية والابتكار في الوقت نفسه، ولأن العديد من الشباب يتابع الأخبار من على منصات مثل تيك توك فيجب أن يكون لدى وسائل الإعلام صوت هناك لمكافحة المعلومات المضللة، على حد قوله.

وأضاف أن 20 في المئة من الفريق في أي وسيلة إعلامية يجب أن يعملوا على الحداثة وتجربة أشياء جديدة ومتابعة مدى فعاليتها.

وينصح إرنستو بإنشاء محتوى على تيك توك يحكي القصص الإنسانية ويهتم بالحياة اليومية للجمهور، إلى جانب التأكد من أن المنصة تضع العناوين التوضيحية المناسبة على الفيديو، والوسم الأكثر تداولاً بين الجمهور، وأضاف أنه لا ينبغي على المنصات الإعلامية إنشاء محتوى الفيديوهات الرأسية لأنها تريد فقط جذب الاهتمام دون محتوى حقيقي.