تتوسع كبرى شركات التكنولوجيا العالمية في منطقة الخليج، بعدما جذبت رؤى دول المنطقة، خاصة السعودية و الإمارات، اهتمام أباطرة القطاع، خاصة مع امتلاك اقتصاد كلا البلدين إمكانات ضخمة تسمح لهما بتحقيق ريادة تكنولوجية إقليمية وعالمية خلال سنوات قليلة.

كما فتحت الدول العربية آفاقاً عدة لبعض القطاعات التكنولوجية الواعدة، مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس والطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنيات البلوك تشين وإنترنت الأشياء، وصولاً إلى تكنولوجيا الطائرات المسيرة والطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية المركزة، وفقاً لأحدث تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

ومع ازدهار الأداء الرقمي لدول عربية مثل السعودية والإمارات، والرؤى الواعدة لتحويل مدنها إلى جهات جاذبة للاستثمارات الأجنبية، بات من الضروري أن تأخذ بعض شركات التكنولوجيا الكبرى هذا الأمر بعين الاعتبار، كما تعد فرصة ذهبية أمام اقتصادات منطقة الخليج لقيادة قطاع التكنولوجيا العالمي في الوقت ذاته؛ وهو ما أكده المدير التنفيذي لدى ساس الإمارات، ميشال الغريب، في حديثه مع «CNN الاقتصادية»، إذ قال إن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دخلتا مرحلة ذهبية من الابتكار والنمو الاقتصادي المستمر، وقد حرصت قيادة كلا البلدين على توفير بنية تحتية قوية للشركات، كما هو مبين في جداول أعمالها الوطنية مثل خطة مئوية الإمارات العربية المتحدة 2071 ورؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى الوفاء بالتزامات الرقمنة.

القطاع التكنولوجي والنمو الاقتصادي

تمتاز السعودية والإمارات بنمو اقتصادي جيد، ما يسهم في اختيار الكثير من شركات التكنولوجيا الكبرى لهما لمقراتها الإقليمية، وقال النائب الأول للرئيس والرئيس العالمي لقطاع المبيعات في أڤايا، ورئيس أڤايا العالمية، نضال أبولطيف، في حديثه مع «CNN الاقتصادية»، إن كلاً من السعودية والإمارات تتمتعان بجاذبية اقتصادية ناتجة عن وجود رؤية اقتصادية بعيدة المدى، فضلاً عن الأداء والنتائج المحققة باستمرار.

وأوضح أن «الناتج المحلي الإجمالي يسجّل في كل من الإمارات والسعودية نمواً مستمراً، والأهم هو امتلاكهما رؤية اقتصادية بعيدة المدى، تضع في الأولوية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن ذلك ثمة مشاريع تحوّل رقمي تجري في البلدين، كجزء من مساعي التنويع الاقتصادي ودعم القطاعات غير النفطية، إلى جانب توفر المهارات الضرورية لمواصلة رحلة التنمية الاقتصادية»، مؤكداً أن التكنولوجيا أصبحت عاملاً داعماً للنمو في عدد من القطاعات الاقتصادية مثل القطاع المصرفي والسياحة والرعاية الصحية.

كانت بعض شركات التكنولوجيا العالمية مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت، أعلنت مؤخراً عن تعزيز وجودها في السعودية، كما حصلت على تراخيص لإنشاء مقرات رئيسية إقليمية لها في الرياض، نقلاً عن تقرير بلومبيرغ.

يأتي ذلك بعدما اتجهت بعض الشركات الكبرى الأخرى، مثل بيبسيكو وبيكتيل وأوراكل وآيرباص، إلى الحصول على تراخيص لمقراتها الرئيسية في السعودية أيضاً، وبموجب قوانين المملكة يمكن منح الشركات هذا الترخيص في حالة تأسيس الشركة مركزاً في الرياض، بما يستوفي عدة معايير تتضمن وصول عدد الموظفين إلى 15 شخصاً على الأقل، على أن توفر لهم الرياض حوافز تشمل إعفاءات ضريبية لمدة 30 عاماً، وإعفاء من قواعد توظيف السعوديين.

شركات أنشأت مقرات إقليمية لها في السعودية

يعود هذا التوجه إلى العاصمة السعودية، إلى القواعد الجديدة التي حددتها المملكة بإيقاف التعاقد مع أي شركة أجنبية ليس لها مقر إقليمي داخل أراضيها ابتداءً من مطلع 2024.

وبحلول نوفمبر تشرين الثاني الماضي، انضمت أكثر من 200 شركة إلى البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، بفضل الاستقرار الاقتصادي للمملكة، وفقاً لما قاله وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح.

أما الإمارات، فهي تتصدر مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2023، الصادر عن شركة أورينت بلانيت للأبحاث، بمتوسط 65.43 نقطة، تلتها السعودية بمتوسط 58.34 نقطة، فهي المقصد الرئيسي لشركات التكنولوجيا العالمية، كما تمثل دبي على سبيل المثال فرصة مثالية للاستثمار.

وفي يونيو حزيران 2022، أطلقت حكومة الإمارات مبادرة (الجيل التالي من الاستثمارات الأجنبية العالمية)؛ بهدف جذب استثمارات من 300 شركة رقمية في شتى القطاعات، على أن تدعم الاقتصاد المحلي بما لا يقل عن 500 مليون دولار.

كما أطلقت الإمارات استراتيجيتها الوطنية للاقتصاد الرقمي في أبريل نيسان من العام ذاته، بهدف مضاعفة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 9.7 في المئة خلال 2022، إلى 19.4% خلال العشر سنوات المقبلة.

وفي هذا السياق، تقول رئيسة الأعمال التجارية في شركة (لوجيتك) لمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط وتركيا وآسيا الوسطى، لبنى إيمنشال، لمنصة «CNN الاقتصادية» إن الإمارات والسعودية تستثمران بسخاء في مبادرات التحول الرقمي، لذا يمكن لشركات التكنولوجيا التي تقدم الحلول والخدمات المتعلقة بالرقمنة والأتمتة والتقنيات الذكية أن تجد الكثير من الفرص في هذه الأسواق.

وأضاف غريب «إن الإمارات والسعودية تبرزان في تبني التكنولوجيا الحديثة، ما يعزز بيئة ملائمة لاعتماد واستخدام الحلول المتقدمة، وقد أسهمت هذه المبادرات بشكل واضح في تحفيز شركات التكنولوجيا العالمية على عرض خبراتها والمساهمة بشكل أكبر في تعزيز اقتصادات هذه الدول».

توفير الفرص لشركات التكنولوجيا في السعودية والإمارات

في أحدث إحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بلغ 7.88 مليار دولار في 2022، مقابل 22.7 مليار دولار في الإمارات.

ومع استراتيجية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبلاده بأن تصبح واحدة من أقوى اقتصادات العالم، تسير السعودية نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030، ويصعد نجم الرياض بين أهم المدن العربية الجاذبة للاستثمارات.

أما دبي، فهي الوجهة المفضّلة عالمياً للاستثمار الأجنبي المباشر، إذ تجذب نحو 70 في المئة من أهم الشركات المدرجة ضمن قائمة (فورتشن 500)، وفقاً لمؤسسة دبي لتنمية الاستثمار.

هذه الأمور تعزز من توفير الفرص لشركات التكنولوجيا، وأرجع نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في شركة (دايناتريس)، جورج لونغو، اهتمام هذه الشركات باقتحام سوق الأعمال في السعودية والإمارات إلى المزايا التنافسية التي توفرها البيئة هناك.

وقال في حديثه مع «CNN الاقتصادية» إن «هذه البيئة تمثل عاملاً مساعداً لشركات التكنولوجيا لتحسين كفاءة أعمالها، فضلاً عن تعزيز تجارب العملاء، وهو الأمر الذي تضمنه هذه الشركات، إذ تدعم حكومتا البلدين هذه التوجهات بالمبادرات التي تطلقها، وتتطلع الإمارات والسعودية إلى ترسيخ ريادتهما التكنولوجية على الصعيد العالمي على مدى السنوات الخمسين المقبلة، مع التركيز على المجالات الاستراتيجية، مثل البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، ومصادر الطاقة المتجددة، ومجالات أخرى عديدة».

ولفت إلى أن الإمارات تمكنت من جذب استثمارات في التكنولوجيا المتقدمة، مع توقعات بتجاوز الإنفاق الحكومي على الذكاء الاصطناعي حصراً 33 مليار دولار بحلول عام 2027.

استشراف مستقبل القطاع

توقعت دراسة نشرتها وكالة (آي دي سي) وصول سوق إنترنت الأشياء في السعودية إلى 2.9 مليار دولار بحلول عام 2025، وقال لونغو إن هذا التوجّه يسلط الضوء على حاجة شركات التكنولوجيا إلى تزويد الشركات عبر مختلف القطاعات في الإمارات والسعودية بالإمكانات والحلول والخبرات التي تساعدها في دخول مشهد الأعمال الديناميكي القائم على الخبرة بسهولة.

وأضاف أنه «في ظل المساعي التي تبذلها الشركات لمواصلة الابتكار بسرعة، يمكنها الاستعانة بالبنية التحتية السحابية لتمكينها من التوسع تماشياً مع ذلك، وعلى الرغم من أن التحول إلى التقنية السحابية يأتي مقترناً مع زيادة التعقيد، فإنه سيمكّن الشركات من فهم ما يحدث بشكل أفضل، واكتشاف المشكلات وإيجاد الحلول المثلى لها للحفاظ على كفاءة أنظمتها وموثوقيتها لتوفير تجربة أفضل للعملاء».