صار الذكاء الاصطناعي جزءاً من واقعنا الحالي؛ بفضل إمكاناته في تسهيل المهام اليومية وتسريع وتيرة الابتكارات في شتى المجالات، لكن ماذا لو استطاعت هذه التكنولوجيا تزييف واقعنا بدلاً من تغييره؟ وماذا لو استطاعت التأثير على مسار أحد أهم الأحداث العالمية « الانتخابات الرئاسية الأميركية»؟
«من المهم أن تحتفظ بصوتك لانتخابات نوفمبر تشرين الثاني.. التصويت هذا الثلاثاء لن يمكّن إلا الجمهوريين في سعيهم لانتخاب دونالد ترامب مرة أخرى»، هذا هو نص رسالة صوتية يُزعم أنها من الرئيس الأميركي جو بايدن، وصلت إلى العديد من الناخبين في ولاية نيو هامبشاير قبل الانتخابات التمهيدية الرئاسية.
لكن مشكلة هذه الرسالة هي أنها لم تصدر عن بايدن نفسه؛ بل كانت عبارة عن محادثة آلية أُنشئت عن طريق الذكاء الاصطناعي التوليدي، باستخدام صوت الرئيس الحالي.
هذه واحدة من حالات عديدة اُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأشهر الأخيرة، إذ شهد الناخبون الأميركيون أمثلة على دمج هذه التقنية في الحملات الانتخابية، بدءاً من التزييف الذي ينتجه المواطنون العاديون إلى الأدوات التي يستخدمها السياسيون بشكل مباشر.
على سبيل المثال، في مارس آذار 2023، انتشرت صور ملفّقة تصور اعتقال الرئيس السابق دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة قلق، قبل أن نكتشف أنها مصنوعة باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي «ميدجورني» (Midjourney).
وقال تقرير صدر عن مؤسسة سيتا للبحوث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أبريل نيسان 2024، «في حين أن اكتشاف زيف هذه الصور قد يكون أمراً بسيطاً نسبياً، فإن الوضع يصبح أكثر تعقيداً عندما يستخدم السياسيون أنفسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي».
اقتران السياسة بالذكاء الاصطناعي
في أبريل نيسان من عام 2023، أصدرت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إعلاناً أُنشئ بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي لتصوير مستقبل الولايات المتحدة إذا أعيد انتخاب بايدن -وفقاً لتقرير سيتا- وقد أظهر الإعلان صوراً واقعية بشكل مقنع، رغم أنها كانت مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
مثال آخر جاء من حملة حاكم فلوريدا رون ديسانتيس التي أصدرت إعلاناً هجومياً ضد دونالد ترامب باستخدام صور مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعي أظهرت الرئيس السابق مع الدكتور أنتوني فوسي، أحد الأسماء المهمة والمثيرة للجدل خلال جائحة كورونا.
وأضاف تقرير سيتا «اليوم، تواجه العملية الانتخابية في الولايات المتحدة تحدياً جديداً يتمثل في احتمال إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، ما يثير مخاوف جدية بشأن نزاهة الانتخابات وأسس الديمقراطية الأميركية».
كيف تتأثر الانتخابات الأميركية؟
يوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي لأي شخص الأدوات اللازمة لإنشاء ملفات صوت وفيديو وصور مزيفة، والتي يمكن استخدامها بسهولة لنشر معلومات مضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وفي عالم يتأثر بشدة بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، يشكل هذا تهديداً حقيقياً، خاصة النسبة للأجيال الشابة الذين هم أكثر عرضة للتضليل، وقد تتأثر قرارات التصويت الخاصة بهم بالمعلومات المزيفة التي يولدها الذكاء الاصطناعي.
ولفتت سيتا في تقريرها إلى تأثير مهم وخطير آخر لاستخدام الذكاء الاصطناعي للأغراض الانتخابية، وهو أنه عندما يصبح الناس أكثر وعياً بالمعلومات المضللة، قد يظهر شعور بالهستيريا، ما يؤدي إلى انعدام الثقة على نطاق واسع، ويخلق مناخاً لا يمكن فيه تمييز الحقائق؛ ما يسفر في نهاية المطاف عن تقويض أسس عملية صنع القرار الديمقراطي المستنيرة.
كما حذر التقرير من أن مشكلة استخدام الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة الناشئة عنه تمتد إلى ما هو أبعد من فترة ما قبل الانتخابات فقط ويمكن أن تؤثر على الاستقرار بعد الانتخابات.
على سبيل المثال، في عام 2020، شهدت الولايات المتحدة أعمال شغب في السادس من يناير كانون الثاني، عندما اقتحم أنصار ترامب الذين رفضوا قبول فوز بايدن، مبنى الكابيتول، ما شكل أكبر تهديد في التاريخ للديمقراطية الأميركية.
والآن، مع قدرات الذكاء الاصطناعي، قد يصبح من الأسهل اختلاق محتوى ضار، مثل الصوت أو مقاطع الفيديو لمرشح يدعي زوراً أنه تم التلاعب بنتائج الانتخابات أو أشكال أخرى من المعلومات المضللة التي يمكن أن تستفز المؤيدين لوقف فرز الأصوات.
وقال التقرير «لسوء الحظ، بينما يتطلع المجتمع الدولي إلى الولايات المتحدة للقيادة في تنظيم الذكاء الاصطناعي بشكل عام، تواجه الولايات المتحدة على المستوى المحلي صراعاتها الخاصة لإدارة هذه التكنولوجيا بشكل فعال لمنعها من تقويض نزاهة انتخاباتها، وبالتالي، الديمقراطية الأميركية».