أثار الرئيس الأميركي السابق والمرشح للرئاسة، دونالد ترامب، الدهشة الأسبوع الماضي عندما اتهم تايوان بسرقة العرش الأميركي في صناعة الرقائق الإلكترونية، والبالغة قيمتها 500 مليار دولار.

وفي مقابلة مع بلومبيرغ بيزنس ويك، كرر المرشح الجمهوري للرئاسة تأكيده، الذي أدلى به لأول مرة في العام الماضي، أن الجزيرة الحليفة للولايات المتحدة قد استحوذت على «ما يقرب من 100 في المئة» من الصناعة من الولايات المتحدة، وأضاف «لم يكن ينبغي لنا أن نسمح بحدوث ذلك أبداً».

لكن خبراء الصناعة نفوا، لشبكة CNN، التهمة عن تايوان، التي طوّرت صناعة أشباه الموصلات الخاصة بها بشكل طبيعي من خلال مزيج من البصيرة المستنيرة والعمل الجاد والاستثمار المستمر، حسب آرائهم.

في عام 1987، قام الأب الروحي لقطاع الرقائق التايواني، موريس تشانغ، الأميركي من أصل صيني، بإطلاق شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC)، وهو في عمر يناهز 55 عاماً بعد مسيرة مهنية طويلة في العمل في صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وهو الآن في عمر الـ93 عاماً.

كان اعتماد تشانغ على منهج «المسبك الخالص» أساس النمو، حيث تم تصنيع أشباه الموصلات وفقاً للتصاميم المقدمة من العملاء، على عكس المتبع وقتها وهو جمع شركات أشباه الموصلات بين التصميم والتصنيع.

وبفضل هذا النهج تنتج تايوان الآن أكثر من 90 في المئة من الرقائق المتقدمة في العالم، وفقاً لجمعية صناعة أشباه الموصلات.

ويقول كريستوفر ميلر، مؤلف كتاب حرب الرقائق، «يمكن لشركة TSMC التصنيع للعديد من العملاء المختلفين، ما سيسمح للشركة بالتوسع المستمر في قطاع التكنولوجيا الأكثر أهمية في العالم»، ويضيف ميلر «وفورات الحجم الكبير أمر بالغ الأهمية لنجاح TSMC، لأنها تجمع بين توليد إيرادات ضخمة وخفض تكلفة التصنيع، ويتم استغلال ذلك الفائض في تحسين تقنيات إنتاج الرقائق، وبالتالي تغذية إيرادات الشركة وخفض تكلفتها، ما يجعل العملية برمتها أكثر كفاءة».

ويرى كونراد يونغ، مدير البحث والتطوير السابق في TSMC، لشبكة CNN «أن الجمع بين المهندسين رفيعي المستوى وتكلفة العمالة المنخفضة نسبياً وساعات العمل الطويلة أدى إلى إنتاجية أفضل»، مضيفاً أن «بيئة العمل التكنولوجية الحاضنة للجميع في تايوان تعد عنصراً حاسماً آخر في تطور رقائق الجزيرة، هذه عوامل يكاد يكون من المستحيل تكرارها في مكان أخر».

ويحاول المنافسون، إنتل وسامسونغ إلكترونيكس، محاكاة نجاح TSMC في تصنيع الرقائق.

صراع اقتصادي وأمني

عندما سألته شبكة CNN عمّا ستفعله الحكومة التايوانية إذا ضغطت واشنطن على تايوان لنقل بعض وظائف البحث والتطوير المتعلقة بالرقائق إلى الولايات المتحدة، قال رئيس الوزراء تشو جونغ تاي إن الجزيرة ليس لديها خطة لتغيير قواعد اللعبة، «تتمتع تايوان بمواهب تكنولوجية جيدة جداً وبيئة جيدة للبحث والتطوير والاستثمار، نحن واثقون بأن الإبقاء على الصناعات المتطورة في تايوان هو الخيار الأفضل للشركات في هذه الصناعة».

وفي مقابلته مع بلومبيرغ بيزنس ويك، أشار ترامب أيضاً إلى أن تايوان يجب أن تدفع لواشنطن مقابل الدفاع عنها، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في الدفاع عن الجزيرة بسبب بعدها عن الولايات المتحدة، وقربها من الصين.

وبالطبع لم يتم تقبل تصريحات ترامب بأريحية في الجزيرة، خاصة أن الولايات المتحدة هي الضامن الأمني ​​الأكثر أهمية للجزيرة، في وقت يلوح في الأفق خطر غزو الصين لتايوان بشكل متزايد.

وقد أدى التوتر المستمر في مضيق تايوان إلى الضغط على شركة TSMC للتوسع خارج تايوان لتنويع قاعدة إنتاجها.

أما في الولايات المتحدة، فقد أدى النقص في الرقائق خلال جائحة كوفيد – 19، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية المتزايدة للصناعة بسبب التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إلى ظهور دعوات لإحياء تصنيع الرقائق محلياً.

وعام 2022 أطلق الرئيس جو بايدن قانون الرقائق والعلوم، بهدف تعزيز الإنتاج المحلي من الرقائق، والذي يبلغ نحو 10 في المئة فقط من المعروض العالمي، وتقليل الاعتماد على تايوان وكوريا الجنوبية.

واستجابت TSMC لخطوات الولايات المتحدة لجذب الصناعة بشكل جيد، وقامت ببناء ثلاثة مصانع في أريزونا، «شركات الرقائق والدول يجب أن تسعى جاهدة لإيجاد طريقة أفضل للعمل معاً من أجل علاقة منفعة متبادلة»، يقول كونراد يونغ، «سيتعين على شركة TSMC إيجاد طريقة لوضع نظام تصنيع يناسب الثقافة أينما تقوم ببناء مصانعها»، في إشارة إلى مصانعها في الولايات المتحدة، فقط من خلال القيام بذلك يمكن لشركة TSMC أن تصبح شركة عالمية حقاً.