متى يبدأ الذكاء الاصطناعي استبدال العمالة البشرية بشكل أكثر أهمية؟ هذا سؤال أصبح موضوعاً لكثير من التكهنات وسط طفرة الذكاء الاصطناعي.. ولكن قبل وقت طويل من الحاجة إلى القلق بشأن حدوث ذلك، قد يتبين أن نقص العمالة البشرية هو أكبر عقبة أمام صناعة الذكاء الاصطناعي.
ارتفعت مبيعات شركة تي إس إم سي التايوانية، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم وصانعة الرقائق التي تدعم ثورة الذكاء الاصطناعي، بنسبة 45 في المئة في يوليو إلى 7.9 مليار دولار؛ ما أضاف إلى النمو السريع في الربع الثاني.
يظل الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي قوياً حيث تمثل أعمال الحوسبة عالية الأداء أكثر من نصف إيرادات TSMC في الربع الماضي.
وعلى الرغم من هذه الأرقام المذهلة، كانت أسهم الذكاء الاصطناعي متقلبة في الأشهر الأخيرة، ما جعل المستثمرين حذرين بشكل متزايد من المخاطر التي تواجهها شركات مثل TSMC، من الزلازل في تايوان إلى التوترات بين الصين وتايوان والضغوط الجيوسياسية الأوسع نطاقاً.. والأمر الأقل مناقشة، ولكنه بالقدر نفسه من الأهمية، هو الأزمة الوشيكة في نقص المهندسين والفنيين.
تقول صحيفة فايننشال تايمز إن الاعتقاد السائد كان أن زيادة القدرة على تصنيع الرقائق كانت مجرد مسألة مال، وقد تم التعامل مع النقص العالمي في الرقائق الذي بدأ في أوائل عام 2020 من خلال قيام الحكومات بإنفاق المليارات على شركات تصنيع الرقائق لزيادة القدرة، ويفضل أن يكون ذلك في ساحاتها الخلفية، وقد قامت شركة TSMC بتوسيع مصانع أشباه الموصلات التابعة لها في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان.
كانت الولايات المتحدة واحدة من أكثر دول العالم عدوانية في تعزيز القدرة الإنتاجية، حيث من المتوقع أن تتجاوز الاستثمارات في صناعة الرقائق الإلكترونية 250 مليار دولار أميركي على مدى خمس سنوات، ولكن اتضح أن الأموال النقدية لا تكفي لصناعة الرقائق الإلكترونية.
المشكلة هنا هي أن إنشاء مصنع للرقائق الإلكترونية ليس بالأمر البسيط مثل إنشاء مصنع جديد لتجميع الهواتف الذكية في بلد آخر، حيث يمكن توظيف العمال المحليين وتدريبهم بسرعة، وتتطلب مصانع الرقائق الإلكترونية موظفين يتمتعون بمهارات عالية، يحملون درجات الماجستير والدكتوراه في العلوم والهندسة، لتشغيلها، وحتى إنشاء مصنع لتصنيع الرقائق الإلكترونية في حد ذاته يتطلب عمالاً متخصصين.
وفقاً لتحليل ماكينزي، فإن الاستثمار الكبير والبناء اللاحق لقطاع الرقائق في الولايات المتحدة يعني أكثر من 160 ألف فرصة عمل جديدة في الهندسة والدعم الفني إلى جانب فرص عمل إضافية في وظائف حرف البناء ذات الصلة.
ومع ذلك، ينضم نحو 1500 مهندس فقط إلى صناعة الرقائق كل عام؛ بالنسبة لفنيي الرقائق فإن هذا الرقم أقل من ذلك مع انضمام نحو 1000 فني جديد كل عام.
وفي السنوات الخمس المقبلة، من المتوقع أن يصل الطلب على هؤلاء العمال إلى 75000.
وفي الوقت نفسه، انخفضت قوة العمل في صناعة الرقائق في الولايات المتحدة بنسبة 43% عن ذروتها في عام 2000، وفقاً لشركة ماكينزي، وبالمعدل الحالي، قد يصل نقص المهندسين والفنيين إلى 146 ألف عامل بحلول عام 2029.
وفي كوريا الجنوبية، موطن شركة تصنيع الرقائق سامسونغ إلكترونيكس، تعاني صناعة الرقائق من نقص منذ عام 2022 ومن المتوقع أن تواجه نقصاً في العمالة يبلغ 56 ألف شخص بحلول عام 2031، وفقاً لتقديرات الصناعة.
وتشكل الاتجاهات الديموغرافية قضية أخرى، فكل من تايوان وكوريا الجنوبية، حيث يوجد معظم عمال شركتي TSMC وسامسونغ، تتعاملان مع انخفاض عدد السكان، فقد انخفض عدد الطلاب المسجلين في التعليم العالي كل عام منذ عام 2012.. وتمثل هاتان الدولتان أكثر من 80% من تصنيع الرقائق التعاقدية العالمية، وقد أدى نقص العمال بالفعل إلى تأخير موعد بدء تشغيل مصنع TSMC في أريزونا، ويقال إن الشركة نقلت نحو نصف العمال البالغ عددهم 2200 عامل إلى المصنع من تايوان… وتزيد الاختلافات الثقافية من تعقيد عملية التوظيف.
وبما أن تكلفة بناء كل مصنع جديد تبلغ نحو 30 مليار دولار، فإن المصانع تحتاج إلى العمل بلا توقف لمدة 24 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع حتى تتمكن من تبرير هذا السعر تجارياً.
وأشار مؤسس شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات موريس تشانج إلى أنه إذا تعطلت آلة في الواحدة صباحاً في الولايات المتحدة، فسيتم إصلاحها في صباح اليوم التالي، ولكن في تايوان، سيتم إصلاحها في الثانية صباحاً، وقد يكون تكرار ثقافة العمل التايوانية تحدياً في بلدان أخرى.
ولكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يبدأ في تصنيع الرقائق الإلكترونية؟ في الواقع، يساعد الذكاء الاصطناعي في تصميم واختبار والتحقق من صحة التصميمات الجديدة وتسريع تطوير الرقائق الإلكترونية الجديدة، أما تصنيع الرقائق الإلكترونية المادية من هذه التصميمات فيظل قصة مختلفة تماماً.. ومن غير المرجح أن يحل الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى مهندسين من ذوي الخبرة لتشغيل الآلات في أي وقت قريب.
من الطبيعي أن تواجه الشركات صعوبات في شغل الوظائف التي تتطلب مستويات عالية من المهارات والمؤهلات.
ولكن في قطاع الرقائق الإلكترونية، أصبحت الفجوة بين الوظائف والعمال واسعة بشكل خطير.