لم تطرح هجمات إسرائيل الأخيرة على لبنان تساؤلات مهمة تتعلق بالبُعد الجيوسياسي وإمكانية دخول المنطقة في حرب شاملة فحسب، إنما أثارت مخاوف من إساءة استخدام التكنولوجيا التي دقت ممارساتها الأخيرة ناقوس الخطر حول موثوقيتها.

فقد أوقع تفجير البيجر التكنولوجيا ضحية خاصة بعد الخطوة المفاجئة صباح اليوم بحظر الحرس الثوري الإيراني استخدامها، مع العلم أن هذا الهجوم كان قد أودى بحياة العشرات وجرح الآلاف من المدنيين الأسبوع الماضي، وذلك بعد حظر دخول البيجر إلى مطار بيروت.

هل الثقة بالتكنولوجيا ضحية صراع لبنان؟

يبدو أن فصول الصراع لم تنتهِ بعد مع سقوط أكثر من 300 غارة إسرائيلية على أهداف متعددة منذ صباح اليوم بحسب الجيش الإسرائيلي، وتخطي عدد القتلى المئة شخص ليسجل أعلى عدد من القتلى منذ بداية الصراع بين البلدين.

هذا فيما تصاعدت وتيرة التهديدات من قِبل مسؤولين إسرائيليين أن يتحول نطاق الصراع إلى حرب شاملة ضد حزب الله.

وفي حديث مع CNN الاقتصادية، يؤكد أمين سلام وزير الاقتصاد اللبناني أن هجوم البيجر كارثة أخطر وأكبر مما يتصور العالم، وأنه من الممكن استخدام هذه التقنيات لتفجير الطائرات المدنية وآليات نقل أخرى، كما حذّر سلام من استخدام هذه التقنيات لتفجير الهواتف العادية، وهذا أمر يهدد سلامة العالم والبشرية.. وتابع قائلاً إنه من الممكن أن يكون الجميع مستهدفاً من مسؤولين أو أصحاب رأي أو مدنيين عاديين في أي مكان في العالم وهذا خطر حقيقي وصريح، كما اعتبر سلام أنها جريمة موصوفة ضد الإنسانية والأولى من نوعها في مجال فن الإجرام بحق المدنيين العُزّل.

حماية تحت الأسر

إساءة استخدام التكنولوجيا في الحروب أصبحت قضية متزايدة الأهمية خاصة مع استخدام تقنيات ناشئة مثل الطائرات من دون طيار والحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي والأسلحة الذاتية التفجير.

ويقول بول مرقص محامي ومؤسس معهد جوستيسيا في لبنان، إن تفجير أجهزة الاتصال هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني لكونه لا يميّز بين المدنيين والمقاتلين، ويؤدي إلى وقوع إصابات عشوائية بين المدنيين.

وشرح أن حماية المدنيين في أثناء النزاعات هو عرف دولي وقاعدة أساسية من قواعد الحروب التي يتوجب على الأطراف المتنازعة احترامها «ولا تستطيع إسرائيل في حربها مع حزب الله التنصل من هذه القاعدة لمجرد أنها لم تبرم البروتوكول الأول لعام 1977، والذي يعتبر ملحقاً أساسياً لاتفاقيات جنيف لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة».

إسرائيل انضمت إلى اتفاقية جنيف عام 1951 وتحدد هذه الاتفاقية السلوكيات الواجب التقييد بها خلال النزاعات لحماية المدنيين وهي جزء أساسي من القانون الدولي الإنساني.

وأضاف مرقص أن اللجوء إلى تفخيخ أجهزة الاتصال وتفجيرها قد يتحول إلى تحدٍ كبير يزعزع قواعد استخدام التكنولوجيا ويرفع من مخاطرها.

وأفاد بأن الخطورة يتسع نطاقها إذا ما سحبت هذه التقنيات على سائر النزاعات في أماكن أخرى من العالم، الأمر الذي يشكّل تهديداً مهماً لقواعد السلامة والأمن المعلوماتي.

وقال مرقص إن احتماء المقاتلين بالمدنيين واتخاذ المنشآت المدنية مخازن للسلاح هو أمر محظور، ورغم ذلك فإنه لا يبرر الاستهداف العشوائي وإيقاع الضرر بالمدنيين وهدم المنشآت المدنية حتى تحت ذريعة محذراً أن تجربة غزة تتكرر.

ويصادف هذا العام الذكرى الـ75 لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة التي لا تزال حتى اليوم تشكّل الركيزة الأساسية للقانون الدولي الإنساني.

ولا تزال وتيرة التقدم التكنولوجي السريعة تتجاوز تطوير أطر القوانين الدولية وعليه يبقى السؤال مفتوحاً في ما لو أن الأوان قد حان لفك أسر القوانين الدولية من القضايا السياسية ومدها بآليات جديدة تضمن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.