تستعد وكالة الفضاء الأميركية ناسا لإطلاق مركبة فضائية إلى قمر المشتري (أوروبا) الذي يعتبر أحد أكثر المواقع الواعدة في نظامنا الشمسي للبحث عن حياة خارج الأرض، لمعرفة ما إذا كان هذا العالم المغطى بالجليد الذي يُعتقد أنه يحتوي على محيط هائل تحت سطحه صالحاً للسكن.
ستطلق وكالة الفضاء الأميركية مركبة الفضاء الروبوتية يوروبا كليبر التي تعمل بالطاقة الشمسية على صاروخ فالكون هيفي من إنتاج سبيس إكس من مركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، حاملة تسعة أجهزة علمية، بعد السفر لمسافة 1.8 مليار ميل (2.9 مليار كيلومتر) في رحلة تستغرق نحو 5 سنوات ونصف، من المقرر أن تدخل يوروبا كليبر مداراً حول المشتري في عام 2030، بحسب ما أوردت رويترز.
بعد تأخير بسبب إعصار ميلتون، حددت وكالة الفضاء الأميركية موعداً مبدئياً للإطلاق الساعة 12:06 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (16:06 بتوقيت غرينتش) يوم الاثنين 14 أكتوبر تشرين الأول.
يبدي العلماء اهتماماً كبيراً بالمحيط المائي السائل المالح الذي أشارت الملاحظات السابقة إلى أنه يقع أسفل القشرة الجليدية لأوروبا.
قالت عالمة الكواكب بوني بوراتي من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، ونائبة عالم مشروع المهمة «هناك أدلة قوية جداً على وجود مكونات الحياة على أوروبا، لكن يتعين علينا الذهاب إلى هناك لمعرفة ذلك».
وأضافت بوراتي «فقط للتأكيد، نحن لسنا مهمة لاكتشاف الحياة، نحن نبحث فقط عن الظروف المناسبة للحياة».
تعتبر يوروبا كليبر أكبر مركبة فضائية بنتها ناسا على الإطلاق لمهمة كوكبية، إذ يبلغ طولها نحو 100 قدم (30.5 متر)، وعرضها نحو 58 قدماً (17.6 متر) وتزن نحو 13 ألف رطل (6 آلاف كغم)، إنها أكبر من ملعب كرة السلة بسبب صفوفها الشمسية الضخمة لجمع ضوء الشمس لتشغيل الأدوات العلمية والإلكترونيات وأنظمتها الفرعية الأخرى.
من المقرر أن تحلق المركبة الفضائية بالقرب من المريخ، ثم تعود إلى الأرض، باستخدام جاذبية كل كوكب لزيادة زخمها مثل المقلاع.
إن هذا المشروع له ثلاثة أهداف علمية رئيسية؛ قياس سُمك الطبقة الخارجية من الجليد في أوروبا وتفاعلاتها مع باطن الأرض، ومعرفة تركيب القمر، وتحديد جيولوجيته.
وتخطط ناسا لمركبتها الفضائية لإجراء 49 تحليقاً قريباً من أوروبا على مدى ثلاث سنوات.
يبلغ قُطر أوروبا نحو 1940 ميلاً (3100 كيلومتر) عند خط استوائه، أي ما يقرب من 90 في المئة من قطر قمرنا، ويُعتقد حالياً أن القشرة الجليدية لأوروبا يبلغ سمكها 10-15 ميلاً (15-25 كيلومتراً)، وهي تطفو فوق محيط يبلغ عمقه 40-100 ميل (60-150 كيلومتراً).
عالم المحيط
يعتبر هذا القمر «عالم محيط»، ورغم أن أوروبا لا يزيد قطره على ربع قطر الأرض، فإن محيطه تحت السطح قد يحتوي على ضعف كمية المياه الموجودة في محيطات الأرض.
وقالت جينا ديبراتشيو، القائمة بأعمال مدير قسم علوم الكواكب في وكالة ناسا «باعتباره عالماً محيطياً، فإن أوروبا مثير للاهتمام للغاية، وهذه المهمة ستساعدنا على فهم جزء معقد من نظامنا الشمسي».
وقالت ديبراتشيو إن العوالم المحيطية قد تكون نوعاً شائعاً من الأجسام خارج نظامنا الشمسي.
وأضافت «ستكون كليبر أول مهمة متعمقة تسمح لنا بتوصيف قابلية السكن على ما قد يكون النوع الأكثر شيوعاً من العوالم المأهولة في كوننا».
وعلى الرغم من سطحه القاسي والبارد، يعتقد العلماء أن أوروبا قد يكون قادراً على توفير الحياة، وأشار بوراتي إلى أن هناك ثلاث متطلبات رئيسية لتكوين الحياة؛ الماء السائل، وبعض الكيمياء -وخاصة المركبات العضوية التي يمكن أن تكون بمثابة غذاء لأي كائنات بدائية- ومصدر للطاقة.
ويتلقى القمر أوروبا نحو 4 في المئة فقط من الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه الأرض- التي تقترب من الشمس خمس مرات، لكن بوراتي أشار إلى أن “أوروبا” ينثني كلما اقترب مداره من المشتري، وابتعد عنه، وذلك بفضل الجاذبية القوية التي يتمتع بها الكوكب الضخم ـ وهي العملية التي تنتج الحرارة على سطح القمر، وقال بوراتي «هذا هو مصدر الطاقة لدينا».
وفي قاع محيط أوروبا، حيث يلتقي الماء بالوشاح الصخري، قد توجد فتحات حرارية حيث تطلق الحرارة الطاقة الكيميائية.
وقال بوراتي «قد تكون مماثلة للفتحات الحرارية في المحيطات العميقة للأرض حيث توجد حياة بدائية، وحيث ربما نشأت الحياة على الأرض».
وسوف تقوم أداة ماسبكس الموجودة على متن المركبة الفضائية بأخذ عينات من الغازات لدراسة كيمياء المحيط والسطح والغلاف الجوي لأوروبا، وأضاف بوراتي أن ماسبكس سوف يبحث عن «جزيئات عضوية متطورة يمكن أن توفر الغذاء، إذا كان هناك أي كائنات بدائية».
والمشتري هو أكبر كوكب في نظامنا الشمسي، من بين أقماره الـ95 المعترف بها رسمياً، يعد أوروبا رابع أكبر قمر، بعد جانيميد وكاليستو وإيو، يدور أوروبا على بعد نحو 417 ألف ميل (671 ألف كيلومتر) من كوكب المشتري.
وقال بوراتي إن البعثات الاستكشافية مثل هذه تكشف دائماً شيئاً «لم نكن لنتخيله».
وأضاف «سيكون هناك شيء مجهول، سيكون رائعاً لدرجة أننا لا نستطيع تصوره الآن، هذا هو الشيء الذي يثيرني أكثر».