يقول تقرير مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024، الصادر عن جامعة أوكسفورد، إن الاقتصادات ذات الدخل المتوسط قادرة على سد فجوة الجاهزية للذكاء الاصطناعي، لأنها تتحكم بالفعل في عدد من مقدرات بيئة الذكاء الاصطناعي، مثل تطوير استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية، وتبني مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز حوكمة البيانات.
ولكن هناك مؤشرات أخرى تشترك الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل في ضعف قدرتها على تحسينها، وهي التكيف في مواجهة التكنولوجيا الحديثة، وتوفير إمدادات جيدة ومستدامة من أدوات الذكاء الاصطناعي من قطاع التكنولوجيا في البلاد، ونضوج وتطور القطاع الخاص بما يكفي لتزويد الحكومة بأدوات الذكاء الاصطناعي، وتمتع القطاع الخاص بقدرة عالية على الابتكار مدعوماً ببيئة أعمال داعمة للشركات الناشئة وريادة الأعمال، مع تدفق جيد للإنفاق على البحث والتطوير.
هذا بالإضافة إلى رأس مال بشري قادر على تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي، وتوافر البيانات عالية الجودة، والممثلة للمواطنين في البلاد، وهذا لن يحدث إلا عبر إتاحة وسائل الاتصال للجميع، والأهم بالطبع البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لتشغيل أدوات الذكاء الاصطناعي.
رواندا الاستثنائية
تحتل دائماً دولة رواندا ترتيباً متقدماً بين اقتصادات العالم من حيث التنافسية وسهولة أداء الأعمال وغيرها من المؤشرات الدولية رغم حجم اقتصادها الضئيل الذي يبلغ 14.1 مليار دولار، ونصيب الفرد الضئيل من الناتج (1010 دولارات سنوياً) وفق بيانات البنك الدولي، ما يجعلها واحدة من أفقر دول العالم.
على الرغم من ذلك تستضيف الدولة الإفريقية عدداً من شركات الذكاء الاصطناعي مثل (إنستا ديب)، التي تقدم حلول الذكاء الاصطناعي الداعمة للشركات، و(بيبيل) المتخصصة في مجال الرعاية الصحية، و(زيب لاين) المتخصصة في توصيل الطرود بالطائرات المُسيرة، وغيرها من الشركات.
كانت رواندا أول دولة منخفضة الدخل في العالم تطلق استراتيجية خاصة للذكاء الاصطناعي في عام 2022، ورغم وجود نحو 30 دولة منخفضة الدخل حول العالم، لم تتبع خطوات رواندا في عامي 2023 و2024 سوى إثيوبيا.
وهذا لا يرجع فقط لطرح استراتيجية داعمة لأنشطة الذكاء الاصطناعي، بل لأن رواندا تقدم نفسها كقائدة في بناء اقتصاد المستقبل، حيث استضافت مؤتمرات عالمية للذكاء الاصطناعي لأول مرة في إفريقيا، وتعمل على استضافة الكفاءات وتقديم الخدمات إلى الدول المجاورة، وتستضيف مركزاً لتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما تعمل الحكومة الرواندية على دعم خدمات الذكاء الاصطناعي المناسبة لاحتياجات القارة الإفريقية وتوطينها.
أساسيات الذكاء الاصطناعي
يقول الدكتور إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي، إن بعض الدول الفقيرة استطاعت تبني بعض الاستراتيجيات والمبادرات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء الاقتصادي وجودة الخدمات، ولكن معدل تنفيذ هذه المبادرات والاستراتيجيات يشهد تبايناً واضحاً من دولة لأخرى.
ويضرب خليفة، المتخصص في دراسة تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثالاً بنجاحات رواندا وكينيا وكمبوديا وبنغلاديش، كدول فقيرة أو متوسطة الدخل، ومع ذلك استطاعت تطوير خدمات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، «يبقى النموذج الأفضل هو فيتنام، التي يُنظر إليها كتايوان الثانية».
وبالفعل أبرمت شركة إنفيديا الأميركية لصناعة الرقائق اتفاقاً لإنشاء مركز للذكاء الصناعي في فيتنام العام الحالي.
على الجانب الآخر يوضح خليفة سبب صعوبة نجاح دول أخرى في تطوير بيئة ملائمة لنمو استخدامات الذكاء الاصطناعي «هذه التطبيقات تعتمد على الشمول من حيث تدفق البيانات إلى التطبيقات وتقديم الخدمات إلى المستهلكين، وهذا يتطلب اتصال نسبة مرتفعة من السكان بخدمات الإنترنت، وعدد شركات كبير يستخدم هذه التقنيات، وبالطبع انعدام التمييز على أساس النوع أو العرق».