بعد أيام من الضجة حول قرار امتناع واشنطن بوست عن تأييد مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، في السباق الرئاسي، أخيراً ظهر جيف بيزوس، الملياردير الأميركي ومالك الجريدة، ليدافع عن قراره، في مقال رأي نادر نُشر مساء أمس الاثنين في الصحيفة.

كتب بيزوس «التأييدات الرئاسية ليس لها دور في ترجيح كفة المرشحين، لن يحسم ناخب قراره في بنسلفانيا لأن الصحيفة (أ) تويد مرشح معين.. تأييد المرشحين في الانتخابات الرئاسية صورة من من صور التحيز وعدم الاستقلال، وإلغاء هذه التأييدات (مسألة مبدأ)، وهو القرار الصحيح.

جاء البيان بعد ساعات من استقالة ثلاثة أعضاء من مجلس تحرير صحيفة واشنطن بوست، بسبب قرار بيزوس عدم تأييد نائبة الرئيس، كامالا هاريس، وإلغاء آلاف القرّاء اشتراكاتهم في الصحيفة، كما أعرب موظفو الصحيفة البارزون علناً عن انزعاجهم من كيفية التعامل مع الموقف، وأثاروا تساؤلات حول سبب اتخاذ القرار في اللحظات الأخيرة.

وصف المنتقدون، بمن فيهم رئيس تحرير الصحيفة السابق مارتي بارون، القرار بأنه «جبان» و«محاولة واضحة لإرضاء الرئيس السابق دونالد ترامب»، الذي ربما ينجح في استعادة مقعده في البيت الأبيض في نوفمبر تشرين الثاني.

وقال شخص مطلع على الأمر، لشبكة سي إن إن، إن أعضاء هيئة تحرير الصحيفة صاغوا مسودة تأييد لهاريس قبل أن يلغيها بيزوس.

وأقر بيزوس بخطأ توقيت قرار عدم التأييد «أتمنى لو أعلنا القرار في وقت أبكر، قبل احتدام الانتخابات والعواطف المحيطة بها، كان هذا تخطيطاً سيئاً، وليس استراتيجية مقصودة».

في يوم الجمعة، وفي الساعات التي أعقبت إعلان رئيس تحرير الصحيفة، ويل لويس، قرار عدم تأييد هاريس والالتزام بالحياد الانتخابي، التقى ترامب مسؤولين تنفيذيين من شركة بلو أوريغين، وهي شركة فضاء أسسها بيزوس.

وفي مقاله، نفى بيزوس مزاعم بأن قرار حجب التأييد كان لكسب ود ترامب، قائلاً إنه لم يكن لديه علم مسبق بهذا الاجتماع، «أود أيضاً أن أوضح أنه لا يوجد أي نوع من المقايضة هنا، لم يتم التشاور مع الحملة أو المرشح أو إبلاغه على أي مستوى أو بأي شكل من الأشكال بهذا القرار، لقد تم اتخاذ القرار داخل الجريد ة بشكل كامل».

وعن رد فعل بيزوس عندما علم بالاجتماع، قال «أعلم أن هذا الخبر سيوفّر الذخيرة لأولئك الذين يرغبون في إظهار قرارنا على أنه أي شيء آخر غير (مسألة مبدأ)، لكن الحقيقة هي أنني لم أكن على دراية مُسبقة بهذا الاجتماع».

وأكد أنه «لا توجد صلة» بين الاجتماع وقرار واشنطن بوست، واصفاً التكهنات بغير ذلك بـ«الكاذبة».

مع ذلك أقر بيزوس «بظهور صراع المصالح»، مشيراً إلى أن عمله في أمازون وبلو أوريغين كان «أمراً معقداً بالنسبة لواشنطن بوست»، ولكنه تجاهل فكرة أن ثروته الهائلة قد تؤدي إلى مزايا سياسية، وبدلاً من ذلك وصف ملياراته بأنها «حصن ضد الترهيب» وأكد على قلة تدخله في شؤون الصحيفة خلال السنوات الـ 11 منذ أن اشترى الصحيفة.

كتب بيزوس «بينما لا أستخدم الصحيفة لتحقيق مصالحي الشخصية، ولن أفعل ذلك، فلن أسمح أيضاً لهذه الصحيفة بالبقاء على وضع الطيار الآلي، وانعدام العلاقة بيننا»، مشيراً إلى أنه سيقاتل من أجل مواجهة المخاطر المرتفعة التي تواجه الجريدة، مثل إطلاق خدمة البث الصوتي من غير دراسة كافية، والهجمات اللاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

هجوم داخلي عنيف

تأتي تعليقات بيزوس بعد أيام من ردود الفعل العنيفة والاضطرابات واسعة النطاق داخل صحيفته، بما في ذلك انتقادات أساطير «تقارير ووترجيت»، كارل برنستين وبوب ودورد، وبيان مفتوح وقّعه عشرون كاتب عمود في واشنطن بوست جاء فيه «قرار واشنطن بوست بعدم تأييد الحملة الرئاسية لهاريس هو خطأ فادح، إنه يمثّل التخلي عن المعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة التي نحبها».

واستقال ديفيد هوفمان، الذي حصل على جائزة بوليتسر لعام 2024 في الكتابة التحريرية عن سلسلة حول التكتيكات الجديدة التي تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لقمع المعارضة، من منصبه في هيئة التحرير أمس الاثنين، وقال لشبكة سي إن إن، في مقابلة، إنه لا يريد أن يظل صامتاً بشأن التهديد الذي يشكله ترامب على البلاد، «لا يمكنني الجلوس هنا بعد الآن في هيئة التحرير وكتابة تلك الافتتاحيات بينما استسلمنا نحن أنفسنا للصمت في مواجهة خيار رهيب، وهو الاستبداد، لا أريد أن أصمت بشأن ذلك، لا أريد أن تلتزم الصحيفة الصمت، لا أستطيع تحمل هذا الأمر».

ولا يصدق بارون، رئيس التحرير السابق للصحيفة، أن قرار إنهاء التأييد الرئاسي كان (مسألة مبدأ).

وقال بارون لشبكة سي إن إن «إذا كانت فلسفتهم هي أن القرّاء قادرون على تكوين آرائهم الخاصة بشأن القضايا الكبرى التي يواجهونها في هذه البلاد، فلا ينبغي لهم نشر أي افتتاحيات، لكن الحقيقة هي أنهم قرروا عدم نشر افتتاحية في هذه المرة فقط، قبل 11 يوماً من الانتخابات».

كان مارتي بارون قد قاد الصحيفة إلى جائزة بوليتسر لتغطيتها لهجوم السادس من يناير 2021 عندما اقتحم مثيرو الشغب الذين يدعمون محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقلب الانتخابات الرئاسية لعام 2020 مبنى الكابيتول الأميركي.