الطيران بانبعاثات صفرية هو التزام شركات الطيران بتحقيق صافي صفر من الكربون بحلول عام 2050.. لكن أين تقف شركات الطيران الكبرى اليوم من هذا الالتزام؟
في الاجتماع العام السنوي السابع والسبعين للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) قبل عامين، تعهدت شركات الطيران الأعضاء في الاتحاد بالوصول إلى انبعاثات كربونية صفرية من عملياتها بحلول عام 2050، وهذا التعهد يجعل النقل الجوي يتماشى مع أهداف اتفاق باريس للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية، ولتحقيق النجاح سيتطلب الأمر بذل جهود منسقة من جانب الصناعة بأكملها، وأهمها شركات الطيران والمطارات ومقدمو خدمات الملاحة الجوية والشركات المصنعة، كما سيتطلب دعماً حكومياً كبيراً بحسب إياتا.
ويستلزم تحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050 السير في مسارين، أحدهما هو الحد الأقصى من التخلص من الانبعاثات عند المصدر، والآخر هو اتباع تقنيات التعويض واحتجاز الكربون.
ويتسبب الطيران التجاري، الذي كان ينقل أكثر من 4.5 مليار مسافر سنوياً قبل الوباء، في 2.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية كل عام، مع توقع زيادة كبيرة في الطلب على الرحلات الجوية، ما يعني زيادة الانبعاثات الناجمة عنها.
لكن شركات الطيران التجارية الكبرى تحاول لعب دور فعال لخفض الانبعاثات، لكن بشكل غير متساوٍ، لذا سنستعرض بعض أبرز الشركات التي تقوم بدور فعّال في مجال الاستدامة.
طيران الإمارات
اتخذت طيران الإمارات مبادرات لافتة، منها تشغيل أول رحلة بوقود طيران مستدام بالكامل مطلع هذا العام، كما أعلنت طيران الإمارات تخصيص 200 مليون دولار أميركي لتمويل مشاريع البحث والتطوير التي تركز على الحد من تأثير الوقود الأحفوري في الطيران التجاري، ويعد هذا أكبر التزام منفرد من قِبل أي شركة طيران بشأن الاستدامة، حيث سيتم صرف الأموال على مدى 3 سنوات.
وأبرمت الشركة اتفاقية مع شركة شل أفييشن لتزويدها بأكثر من 300 ألف غالون من وقود الطيران المستدام لاستخدامها في مقر الناقلة بدبي، حسبما أفاد بيان للشركة، مضيفاً أن هذه «هي المرة الأولى التي يتم فيها ضخ هذا النوع من الوقود في نظام مطار دبي الدولي للوقود».
الاتحاد للطيران
نجحت الاتحاد للطيران، شركة الطيران الوطنية الأخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة، في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار الربع منذ عام 2019 بفضل تحسين الكفاءة التشغيلية، كما حدت أيضاً من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بنسبة 80%، وحصلت على لقب شركة الطيران البيئية للعام لعامي 2022 و2023 من قبل موقع إيرلاين ريتينجز.
كما تتعاون شركة الطيران مع بوينج في إطار برنامج جرينلاينر الذي يركز على إزالة الكربون، بالإضافة إلى برنامجها الخاص ساستاينبل 50 تحت عنوان مماثل مخصص لطائراتها من طراز إيرباص A350.
ويز إير
تعتبر شركة الطيران الأوروبية منخفضة التكلفة ويز إير واحدة من أقل الشركات تسبباً في انبعاثات الكربون لكل مسافر، وذلك بفضل أسطولها الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود كون معظم طائراتها من طراز إيرباص A321neo والتي يقل عمرها عن خمس سنوات.
وتستثمر شركة الطيران الحائزة على جوائز الاستدامة أيضاً بكثافة في وقود الطيران المستدام، وتسعى إلى شراء طائرات تعمل بالدفع الهيدروجيني مع شركة إيرباص.
يونايتد إيرلاينز
تخطط شركة يونايتد لتقديم خدمة طيران إقليمية أميركية على متن 100 طائرة هجينة كهربائية تتسع لـ30 راكباً من شركة هارت أيروسبايس السويدية الناشئة بحلول عام 2028 بينما تستثمر أيضاً في إنتاج 5 مليارات جالون من الوقود المستدام.
كما يعرض موقعها الإلكتروني الآن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المقدرة إلى جانب نتائج البحث عن الرحلات الجوية.
الطيران الكندي
في خطوة مشابهة لخطوة يونايتد إيرلاينز تستهدف شركة الطيران الكندية عام 2028 للتحول إلى الطيران الكهربائي، مع وجود اتفاقية شراء لـ30 طائرة هجينة كهربائية تابعة لشركة هارت أيروسبايس لاستخدامها في الطرق الجوية الإقليمية.
وخفضت الشركة بشكل كبير المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد على متن طائراتها تماشياً مع تحرك كندا لحظر معظم المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بحلول نهاية العام.
3 ابتكارات لتحقيق صفر كربون
استعرض المنتدى الاقتصادي العالمي ثلاثة ابتكارات من شأنها الإسهام في تخفيف الانبعاثات وعلى رأسها وقود الطيران المستدام، إن استبدال الكيروسين الذي يستخدم تقليدياً لتزويد الطائرات بالوقود ببدائل مستدامة يوفر إمكانات كبيرة لخفض انبعاثات الطيران، بحيث يُصنع وقود الطيران المستدام إلى حد كبير من الغابات أو النفايات الزراعية بدلاً من استخلاصه من الوقود الأحفوري، ما يمنحه القدرة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من شركات الطيران بنحو 70%.
والوقود المستدام اليوم أكثر تكلفة بكثير من الكيروسين، إلا أن توسيع نطاق الإنتاج يمكن أن يساعد في خفض التكاليف وتعزيز اعتماد شركات الطيران عليه وهذا هو ما تعمل عليه شركات الطيران الكبرى اليوم.
وجزء آخر من شأنه المساهمة في تخفيف الانبعاثات هو إعادة التفكير بشكل جذري في كيفية تصميم محركات الطائرات، فعلى عكس شفرات محركات الطائرات المغطاة التقليدية، يتم تطوير تصميمات جديدة للمحركات تتميز ببنية المروحة المفتوحة، ما يزيد من كفاءة استهلاك الوقود ويقلل من انبعاثات الطيران. ويمكن للمحركات ذات التصميم المروحي المفتوح والمتوافقة مع أنواع الوقود البديلة مثل وقود الطيران المستدام والهيدروجين، أن تدخل الخدمة بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي.
أما الابتكار الثالث فهو أنظمة الدفع الجديدة، بحيث يتم أيضاً دمج الدفع الكهربائي الهجين في نوع جديد جذري من وحدات الطاقة للطائرات، ويمكن للمحركات الكهربائية أن تساعد في تقليل البصمة الكربونية للرحلة من خلال تحسين الكفاءة أثناء الإقلاع وأثناء التحليق والهبوط، لكن بشكل خاص عند السير على الأرض. وتعمل بعض شركات الطيران والفضاء على مشروع للدمج بين الدفع الكهربائي الهجين والمحركات التوربينية المعززة بالمياه التي تسهم في التقليص من الانبعاثات من خلال استعادة بخار الماء من عادم الطائرة وإعادة تدويره مرة أخرى في غرفة الاحتراق في المحرك.