تحوَّلت عصيدة الذرة ذات النكهات المتعددة التي لا تُحصى، إلى أحد أفضل وأشهر الأطباق في المطبخ الإيطالي، ما يعزز الخيارات الشهية أمام مَن يسعى إلى سياحة الطعام حول العالم.
وتتعدد النكهات التي يمكن إضافتها إلى العصيدة من لحم الغزال والأسماك والأرانب والخنازير البرية ولحم العجل المَطهي بالنبيذ إلى الفطر وصلصة الطماطم والجبن الذائب، كما يمكن استخدامها في الحلويات، بما في ذلك البسكويت والفطائر والبانكيك، حتى إن البعض قد يأكلها مع نوتيلا.
وتؤكل عصيدة الذرة في جميع أنحاء إيطاليا، لكن هناك ثلاث مناطق رئيسية في شمال البلاد تحظى فيها بشعبية خاصة؛ وهي فينيتو ولومباردي وبيدمونت.
وتشتهر أطباق العصيدة الإيطالية بين السكان المحليين والزائرين على حد سواء.
من زاوية أخرى، تعرّف منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة سياحة فن الطهي أو الطعام بأنها نوع من النشاط السياحي الذي يتميز بتجربة الزائر المرتبطة بالطعام والمنتجات والأنشطة ذات الصلة أثناء السفر، إلى جانب تجارب الطهي الأصيلة والتقليدية والمبتكرة.
وقد تتضمن سياحة الطعام أيضاً أنشطة أخرى ذات صلة مثل زيارة المنتجين المحليين والمشاركة في مهرجانات الطعام وحضور دروس الطبخ.
وبلغ حجم سوق سياحة الطعام العالمية 946.4 مليار دولار أميركي في عام 2023، ويُتوقع أن تصل السوق إلى نحو 3.5 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2032، وفق توقعات مجموعة إيمارك للأبحاث.
تاريخ العصيدة يعود لاكتشافات كريستوفر كولومبوس
أصبحت عصيدة الذرة الغذاء الأساسي الأكثر شعبية في إيطاليا بعد المكرونة والبيتزا حالياً، ولكنها في الأصل لا تزال طبقاً متواضعاً، إذ كان يؤكل بدافع الضرورة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.
ففي نهاية يوم عمل شاق، كان بعض أفراد الأسرة يتجمعون حول الطاولة ويتشاركون عصيدة من دقيق الذرة بطريقة (البيكا سو)، وباستخدام أيديهم كملاعق، كانوا يفركون العصيدة على رنجة مجففة معلقة بخيط من سقف المطبخ لإعطاء العصيدة نكهة خاصة مع الحفاظ على الأسماك.
على الرغم من أن مؤرخي الطعام لاحظوا أن الرومان القدماء كانوا يأكلون نوعاً أكثر ليونة من عصيدة الذرة يُحضّر من القمح المطحون والمطبوخ، فإن النسخة التي يعرفها الناس ويحبونها اليوم لها جذورها عبر المحيط الأطلسي، في الأميركتين.
بدأ الأمر عندما أحضر كريستوفر كولومبوس محصول الذرة معه إلى القارة القديمة، التي لم تكن على دراية بها حتى رحلته في عام 1492.
ووفقاً للطاهي ومؤرخ الطعام أميديو ساندري، فإن الذرة جُلبت لاحقاً إلى إيطاليا من قبل المُبشرين العائدين من الأميركتين إلى منطقة فريولي.
وانتشرت الزراعة على نطاق واسع في القرن السابع عشر إلى فينيتو ولومباردي في إيطاليا، لتحل محل المحاصيل التقليدية وتحدث ثورة زراعية، أما اليوم، فهناك ما يقرب من اثني عشر نوعاً من الذرة الإيطالية المزروعة في البلاد.
ووفقاً لساندري فقد أدرك المزارعون الإيطاليون أن الذرة لديها إنتاجية أعلى ودورة زراعة أقصر مقارنة بزراعة الدخن والجاودار والقمح، وأنها عززت العمل في الحقول، لكن هناك بعض الآثار الجانبية الخطيرة التي ارتبطت بهذا النظام الغذائي القائم على عصيدة الذرة، بحسب ساندري.
ويضيف «أدمن الشماليون دقيق الذرة المسلوق العادي لدرجة أنهم أُصيبوا بمرض غريب يُسمى البلاغرا، والذي ينجم عن نقص فيتامين ب 3، وبحسب ما ورد، عانى الكثيرون من الخرف والإسهال والطفح الجلدي نتيجة للمرض».
ومع ذلك، فإن التقدم في أبحاث التغذية في أوائل القرن العشرين حتى منتصفه وانتشار الأنظمة الغذائية الأكثر تنوعاً غيرت كل ذلك، وفي السنوات التالية، اكتشف الإيطاليون فوائد تضمين عصيدة الذرة في وجبة متوازنة.
فمن ناحية، فهو خالٍ من الغلوتين، ما يجعله خياراً مثالياً لأولئك الذين يعانون من الاضطرابات الهضمية، ويزعم خبراء الصحة أنه سهل الهضم ومنخفض السعرات الحرارية.
العصيدة تثير جدلاً كبيراً بسبب الحياة البرية
ومن بين نكهات عصيدة دقيق الذرة المفضلة في شمال إيطاليا، هناك (أوسي) أو العصافير، وقد تحولت إلى هوس، ما أدى إلى عديد من القضايا أمام القضاء وأثار حفيظة نشطاء الحفاظ على الحياة البرية، بما في ذلك الصندوق العالمي للطبيعة في إيطاليا.
في عام 1992، حظر الاتحاد الأوروبي صيد أنواع الطيور المحمية مثل العصافير، وطائر القبعة السوداء، والزرزور، والقبرة، ونقار الخشب، وأبو الحناء أحمر الصدر، والعندليب، وهي جميع الطيور التي كان يفضلها الصيادون ومحبو عصيدة دقيق الذرة.
ثم جاءت ضربة قوية أخرى لمحبي عصيدة الذرة في عام 2005 عندما حظر الاتحاد الأوروبي جميع أنماط تجارة الطيور البرية، بما في ذلك الأنواع المسموح بصيدها، وهذا يعني أن الصيادين لم يعد بإمكانهم بيع صيدهم إلى المطاعم ومعارض الطعام، لذلك قام العديد من أصحاب الأعمال بإزالة الطبق من قوائم الطعام.
أما في عام 2022، على سبيل المثال، فرفعت السلطات الإقليمية في لومباردي الحظر عن تجارة الطيور، مستشهدةً بارتباط المنطقة التاريخي والثقافي بأطباق (أوسي) التقليدية، ومع ذلك، اشترطت تحقيق قاعدة واحدة، وهي أن الصياد يعطي طيور (أوسي) للعميل مجاناً، وهو ما لم يلقَ ترحيباً من قِبل السكان والصيادين المحليين على حد سواء.
(سيلفيا ماركيتي – CNN)