وسط ترقب فعاليات القمة الخليجية الـ45 في الكويت، التي تنطلق الأحد الأول من ديسمبر 2024، يعود الحديث عن مشروع السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي يهدف إلى ربط دول المنطقة عبر شبكة حديثة، بعدما ظل متوقفاً لأكثر من أربعة عشر عاماً، لكن بعد مرور نحو عقدين من إطلاق خططه الأولية، أبدت دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً متزايداً بالمُضي قُدُماً في تنفيذ المشروع، ومن المقرر أن يعيد ربط عُمان والإمارات العربية المتحدة قطار الخليج إلى المسار الصحيح.

ورغم التحديات التي أعاقت تقدم «سكة حديد الخليج»، شهد المشروع مؤخراً اهتماماً متجدداً تجسد في خطوات عملية نحو تحقيقه، مع تحديد عام 2030 كموعد نهائي لاستكمال الشبكة.

البدايات

في عام 2009، قرر مجلس التعاون الخليجي تسريع تنفيذ المشروع استناداً إلى دراسات جدوى بدأت في 2003، ورغم الأهداف الطموحة، بما في ذلك تعزيز التكامل التجاري والجيوسياسي بين دول الخليج، واجه المشروع عقبات متعددة.

جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 لتكون واحدة من أبرز العوائق، حيث تكبدت صناديق الثروة السيادية خسائر كبيرة، ما أدى إلى تقليص التمويلات المخصصة للبنية التحتية، كما أثرت تقلبات أسعار النفط على موازنات دول الخليج، ما أرجأ العديد من المشروعات الكبرى، بما فيها السكك الحديدية.

إحياء المشروع

في عام 2023، شهد المشروع تطورات لافتة، حيث وضعت دول مجلس التعاون قواعد إدارية ومالية لتنظيم هيئة السكك الحديدية الخليجية.

وفي أبريل 2024، تم الإعلان عن بدء تنفيذ الجزء الذي يربط سلطنة عمان بدولة الإمارات كجزء من شبكة إقليمية تمتد على طول 2117 كيلومتراً.

تفاصيل المشروع وخريطة الشبكة

بحسب خريطة المشروع التي أعدتها دول مجلس التعاون الخليجي، فإن شبكة السكك الحديدية ستبدأ في الكويت وتمتد إلى الدمام على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، ومن هناك ستنقسم الشبكة إلى اتجاهين: أحدهما نحو البحرين ثم قطر عبر جسرين بحريين، والآخر نحو الساحل الجنوبي السعودي، متبعاً السواحل الشرقية للمملكة.

ومن المقرر أن يلتقي المساران عند ميناء سلوى على الحدود بين المملكة العربية السعودية وقطر، ومن هناك تستمر الشبكة جنوباً على طول ساحل الإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى أبوظبي، ثم تمتد جنوباً إلى الصحراء باتجاه العين على الحدود بين الإمارات وسلطنة عمان، ثم إلى صحار ومسقط على شواطئ خليج عمان.

ويبلغ طول الخط 2117 كيلومتراً، ما يسهل نقل البضائع والركاب من الكويت شمالاً إلى مسقط جنوباً، ووفقاً لخطة مجلس التعاون الخليجي، ستسير قطارات الركاب بسرعات تصل إلى 220 كيلومتراً في الساعة، بينما ستعمل قطارات البضائع بسرعات تتراوح بين 80 و120 كيلومتراً في الساعة، وتقدر التكلفة الإجمالية لاستكمال الشبكة بنحو 15 مليار دولار أميركي، كما توقع وزراء الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي.

وبموجب اتفاقية المشروع، ستمول كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي عملية البناء داخل أراضيها، وستكون لها السلطة في تحديد ما إذا كانت الكيانات الخاصة أو الحكومية ستقوم ببناء وتشغيل والاستثمار في خطوط السكك الحديدية الخاصة بها، وسيكون الجسر الذي يربط المملكة العربية السعودية والبحرين مشروعاً مشتركاً بين البلدين، ويشارك فيه القطاع الخاص، وفي حين أن هذا الجزء من المشروع كان في مرحلة التخطيط لسنوات، فإنه لم يتم الانتهاء من أي التزامات استثمارية محددة حتى الآن.

التقدم الحالي للمشروع

الجدير بالذكر أن جزءاً كبيراً من شبكة السكك الحديدية ضمن مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي يشتمل على مبادرات محلية كجزء من خطط السكك الحديدية في كل دولة، سواء كانت مكتملة أو قيد التنفيذ، وقد لعبت هذه المشروعات المحلية دوراً حاسماً في تعزيز مبادرة سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي الأوسع نطاقاً، وهو ما يتضح عند استعراض تقدم المشروع.

على سبيل المثال، أكملت المملكة العربية السعودية جزءاً كبيراً من خطوط السكك الحديدية على ساحلها الشرقي، والتي تربط بين رأس الخير والدمام على مسافة تبلغ نحو 200 كيلومتر، هذا الجزء هو في الواقع جزء من الشبكة المحلية للمملكة العربية السعودية، ويربطها داخلياً بمدن مثل الرياض وجدة ورابغ، ويمتد إلى الحدود الأردنية، سيسهل هذا التكامل الاتصال بين دول مجلس التعاون الخليجي في شرق شبه الجزيرة العربية (قطر والإمارات العربية المتحدة وعمان والكويت) والمناطق الغربية والوسطى من المملكة العربية السعودية.

وعلى نحو مماثل، استكملت الإمارات العربية المتحدة مسار خط السكة الحديدية الممتد نحو الحدود السعودية كجزء من مشروع السكك الحديدية الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي يربط الإمارات السبع من الحدود السعودية إلى ميناء الفجيرة في الشرق، وهذا يمهد الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة لدمج حصتها من مشروع السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي بمجرد اكتمال القسم الذي يربط أبوظبي بصحار، والذي يجري تنفيذه حالياً بواسطة سكة حديد حفيت.

وتتمتع قطر بالفعل بشبكة سكك حديدية حديثة تلبي معايير مشروع سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي، ولاستكمال مشاركتها في المشروع، تحتاج قطر إلى ربط شبكتها بمدينة الدمام في المملكة العربية السعودية عبر ميناء سلوى، ويتضمن جزء البحرين الذي لا يزال نظام النقل بالسكك الحديدية الخفيفة في مرحلة التخطيط، ربط شبكتها بقطر والمملكة العربية السعودية عبر جسور بحرية.

وفي نوفمبر تشرين الثاني 2023، اتفقت البحرين وقطر على إحياء مشروع جسر الصداقة الذي سيربط بينهما بالسكك الحديدية، وترتبط البحرين بالفعل بالسعودية عبر جسر الملك فهد، الذي يدعم ربط السكك الحديدية بين البلدين من خلال إنشاء مسار جديد إلى جانب الجسر الحالي.

وأخيراً، تخطط الكويت لشبكة سكك حديدية حديثة تسهل ربطها بالسعودية، وبمجرد اكتمال خط السكة الحديدية بين ميناء النويصيب الكويتي ومنطقة الخفجي السعودية جنوبا، سيتم إنشاء هذا الربط، وفي يونيو حزيران 2023، وقَّعت الكويت والسعودية اتفاقية لتمكين هذا الربط، واعتمدتا نتائج دراسة الجدوى في يوليو تموز 2024.

وبذلك تكون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد أكملتا أجزاء مهمة من شبكة السكك الحديدية الإقليمية من خلال استكمال شبكاتهما الداخلية التي ستربط في نهاية المطاف دول مجلس التعاون الخليجي على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وسوف يتم الربط الكامل عندما تربط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شبكاتهما بشبكات الدول المجاورة، على غرار المشروع الجاري الذي يربط أبوظبي بسلطنة عمان.

مشروع سكة حديد حفيت.. بداية التنفيذ

ويمثل مشروع سكة حديد حفيت الذي يربط أبوظبي بصحار المرحلة الأولى من مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن وصل إلى مرحلة التعاقد والتنفيذ، ومن المقرر أن يصبح أول خط سكة حديد عبر الحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وتقدر تكلفة المشروع بنحو 3 مليارات دولار، حيث يقوم مجلس إدارة سكة حديد حفيت حالياً بتحديد الجداول الزمنية للتنفيذ، والتي سيتم تنفيذها من قبل مقاولين إماراتيين وعمانيين تم ترسية أعمال المشروع عليهم.

وكان من الواضح أن سلطات البلدين أصرَّت على إبقاء ملكية المشروع وإدارته وتمويله في أيدي ثلاث شركات إماراتية وعمانية، وهي شركة مبادلة للاستثمار، الصندوق السيادي والاستثماري الأساسي لإمارة أبوظبي، وعمان للسكك الحديدية، وهي شركة عامة عمانية، والاتحاد للسكك الحديدية، وهي شركة عامة إماراتية.

وليس من المستغرب أن يكون هذا الجزء من مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي هو الأول الذي يتم تنفيذه، نظراً لجدواه الاقتصادية الواضحة، وتؤكد أرقام التجارة على الرابط التجاري الكبير بين الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، والذي تجاوز 111 مليار دولار في عام 2023 وحده.

وكانت الإمارات العربية المتحدة وجهة لأكثر من 20% من صادرات عمان، في حين وفَّرت 40% من واردات عمان، وتثبت هذه العلاقة الاقتصادية القوية أن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك الاقتصادي الأول لسلطنة عمان بين جميع الدول.

وتتوقع شركة الاتحاد للسكك الحديدية عند اكتمال المشروع خفض زمن نقل البضائع بين الإمارات وسلطنة عمان بنسبة 50% مقارنة بوسائل النقل البري الحالية، إلى جانب خفض التكاليف بنسبة 40%.

ومن المتوقع أن يمتد خط السكة الحديدية على مسافة 303 كيلومترات، ويمتد من أبوظبي باتجاه العين على الحدود الإماراتية العمانية، ثم إلى صحار على شواطئ عمان، ويظل ربط صحار بمسقط مسؤولية السلطات العمانية وحدها.

أهمية المشروع

يمثل مشروع السكك الحديدية لدول مجلس التعاون الخليجي أكثر من مجرد شبكة للنقل؛ فهو ركيزة أساسية لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي.

ويهدف المشروع إلى تحسين التجارة بين الدول الأعضاء، تخفيف الضغط على الطرق البرية، وتقليل تكاليف النقل، كما يسهم في تعزيز السياحة وربط الموانئ الكبرى بالشبكة التجارية العالمية.

يمثل مشروع السكك الحديدية الخليجي خطوة حيوية نحو تكامل إقليمي يعزز مكانة دول مجلس التعاون على الساحة العالمية.