وطئ المزارع اللبناني زكريا فرح حقوله الواقعة على مشارف بلدة القليعة بجنوب البلاد آخر مرة في يناير كانون الثاني، ولكن ليس لزراعتها.
فبينما كانت أصوات القصف تدوي على مسافة بعيدة، دس يديه بسرعة في التربة لجمع عينات يمكن أن تحدد مستقبل عائلته.
وبعدما عبأ التربة في أكياس، أرسل فرح (30 عاماً) ست عينات إلى مختبر في الجامعة الأميركية في بيروت لفحصها بحثاً عن بقايا الفوسفور الأبيض الناجم عن القصف الإسرائيلي، على أمل أن يعرف ما إذا كان بوسعه زراعة أرضه عندما تنتهي الأعمال القتالية.
وأضاف فرح لرويترز أنه يخشى أن تكون حقوله قد تسممت جراء استخدام الجيش الإسرائيلي الفوسفور الأبيض منذ أكتوبر تشرين الأول، عندما بدأ تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة، وقال إن عشرات المزارعين في جنوب لبنان قلقون مثله.
ووفقاً للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، وقع 175 هجوماً إسرائيلياً على جنوب لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض منذ ذلك الحين، وأدى العديد منها إلى إشعال حرائق ألحقت الضرر بأكثر من 1480 فداناً من الأراضي الزراعية.
وذخائر الفوسفور الأبيض ليست محظورة كسلاح كيميائي، ويمكن استخدامها في الحروب لصنع سواتر من الدخان أو تحديد الأهداف أو حرق المباني، ولكن نظراً لإمكانية تسببها في حروق خطيرة ونشوب حرائق، فإن الاتفاقيات الدولية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة وسط المدنيين.
و لبنان طرف في تلك البروتوكولات الدولية، لكن إسرائيل ليست كذلك.
ورداً على أسئلة من رويترز قال الجيش الإسرائيلي إن «قذائف الدخان الأساسية» التي استخدمها لا تحتوي على الفوسفور الأبيض، وأضاف أن قذائف الدخان التي تحتوي على تلك المادة يمكن استخدامها لصنع سواتر دخانية، وأنها «تستخدم فقط وسائل الحرب المشروعة».
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن جودة التربة في منطقة الصراع بجنوب لبنان تضررت من انتشار المعادن الثقيلة والمركبات السامة، بينما أدى «استخدام الفوسفور الأبيض إلى خفض خصوبة التربة أكثر وزيادة حموضتها».
خسائر اقتصادية لتلف التربة الزراعية
يعتقد فرح ومزارعون آخرون أن كلاً منهم فقد بالفعل دخلاً كان يمكن أن يصل إلى سبعة آلاف دولار، لأن القصف المستمر جعل زراعة أو حصاد القمح والتبغ والعدس وغيرها من المحاصيل في المواسم المعتادة أمراً بالغ الخطورة.
وقال عدي أبو ساري، وهو مزارع من بلدة الضهيرة في جنوب لبنان، إن الفوسفور الأبيض أحرق أيضاً القش الذي جمعه من أجل الماشية، وأحرق كذلك أنابيب الري البلاستيكية في حقوله.
وحتى يعرفوا ما إذا كان الفوسفور الأبيض قد ترك أثراً دائماً على تربتهم، يحفر المزارعون لأخذ عينات يرسلونها إلى رامي زريق، كيميائي التربة في الجامعة الأميركية في بيروت.
طور زريق بروتوكول بحث لجمع العينات وفحصها.
أولاً، يتم جمع تربة تبعد مسافات مختلفة عن موقع القصف، ومنها عينة «ضابطة» من موقع يبعد 500 متر، بحيث لا تكون قد تأثرت بشكل مباشر بالضربة.
وفور وصولها إلى مختبره، تتم غربلة التربة وخلطها بالحمض وتعريضها للحرارة والضغط العاليين، ويضاف محلول لإظهار تركيز الفوسفور، بحيث تمثل شدة اللون في النتيجة نسبة الفوسفور، وتتم بعد ذلك مقارنة تلك العينة بالعينة الضابطة، التي تمثل معياراً للفوسفور الموجود بشكل طبيعي في التربة.
لكن المختبر بحاجة لمزيد من العينات «للوصول لنتيجة حاسمة».
وتعمل وزارتا البيئة والزراعة في لبنان مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحديد حجم تلك التداعيات، على أمل استخدام أي وثائق أو نتائج مخبرية لرفع شكاوى إلى الأمم المتحدة.
وقال وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين لرويترز «هذا عمل من أعمال الإبادة البيئية وسنرفعه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
ورداً على أسئلة من رويترز، قال الجيش الإسرائيلي إن اتهامات الإبادة البيئية «لا أساس لها من الصحة على الإطلاق».